أزمة الجامعة الإسلامية..."رُب ضارة نافعة"!

أزمة الجامعة الإسلامية..."رُب ضارة نافعة"!


سنوات عدة مرت على أزمة الجامعة الإسلامية التي تمثل صرحا
 وطنيا وعلميا شامخا دون آفاق لحلها، في ظل  تصاعد وتيرة الأزمات
 التي يعيشها الفلسطينيون في المجالات كافة، ودخول الحصار الإسرائيلي
 على غزة عامه العاشر.  
ورغم أن الجامعة ظلت طيلة أزمتها بعيدة عن وسائل الإعلام؛ إلا أن اشتداد الأزمة وعدم وجود حلول حقيقية لها،
 واكتفاء إدارة الجامعة بالحلول "الترقيعية" والصراع بين الإدارة ونقابة العاملين – وهو أمر حديث نسبيا على نظام
 الجامعة رغم أنه صحي جدا – جعل من أزمتها خبرا متداولا في وسائل الإعلام.
وبكل صراحة: هل من مؤسسة فلسطينية لا تعاني أزمة مالية وإدارية وتنظيمية خاصة في قطاع غزة؟! لكن
وأختلف هنا مع زملائي في الجامعة – كوني واحدا من موظفي الجامعة التي تخرجت منها – في موضوع خشيتهم من
تداول أزمة الجامعة إعلاميا ورفض البعض نقل ساحة النقاش والجدال إلى أروقة المؤسسات والمنتديات الإعلامية، فهو
 أمر طبيعي بل صحي يعكس شفافية ومصارحة الجامعة لواقعها أمام المجتمع في الداخل والخارج، غير أن الخطأ
هو في الإدارة الإعلامية للأزمة من قبلهم.أزمة الجامعة اليوم تضع الجميع أمام مسئولياته المهنية والأخلاقية والوطنية ليس داخل الجامعة فحسب؛ بل أقصد السلطة والمؤسسات المعنية حكومية كانت أم أهلية، والمؤسسات المانحة والموظفين والطلبة وأهليهم وكل من يمكنه المساعدة في تدعيم هذا الصرح الشامخ.


نقاط وحروف في الأزمة..
واسمحوا لي بوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق ببعض جوانب الأزمة من وجهة نظري الشخصية المتواضعة:
  •  اعتادت الجامعة على تغطية نفقاتها التشغيلية ومصاريفها من التبرعات والمنح المالية التي كانت تحصل عليها، في ظل غياب رؤية إنتاجية واستثمارية للجامعة.
  • رسوم الطلبة التي يتم تحصيلها لا تغطي في أحسن أحوالها سوى 40% من نفقات الجامعة ومصاريفها، وليس كما يصور البعض ويعتقد بأن الجامعة تعيش على رسومهم فحسب.
  •  الانقسام حرم الجامعة من مخصصاتها من التعليم العالي، كونها مصنفة بتأييدها لحماس، حيث امتنعت وزارة التعليم والسلطة عن دفع تلك المخصصات السنوية التي تقارب (800 ألف – مليون دولار) سنويا، وأعتقد أن الجامعة لم تتلق تلك المخصصات منذ الانقسام إلا منذ عام واحد فقط رغم الوعود المتكررة بالالتزام بدفعها وتجنيب الجامعة تداعيات الخلافات السياسية.
  •  صعوبة وصول الأموال إلى غزة في ظل الحصار والمضايقات والرقابة التي تفرضها سلطة النقد ومؤسسات السلطة الفلسطينية عموما زادت من تعقيد الأمر.
  •  المشروعات التي تنفذها الجامعة من مبان ومختبرات وغيرها لا علاقة لها مطلقا برسوم الطلبة أو غيرها فهي من الألف إلى الياء من متبرعين بأسمائهم وهيئاتهم.
  •  قضية الكادر الوظيفي وما ترتب عليها من أعباء مالية إضافية – وفق إدارة الجامعة- في ظل وقوف نقابة العاملين سدا أمام أية محاولات للمساس بحقوق العاملين.
  •  التوسع في بعض البرامج الأكاديمية وزيادة عدد الأكاديميين في بعض آخر بلا مبرر، دون عائد مالي يغطي نفقاتها مما كبد الجامعة المزيد من الخسائر.
  •  المغالاة من قبل الطلبة – بكل أسف – خاصة من خريجي وطلبة الجامعة الإسلامية بأن الجامعة تستنزفهم وتسرق أموالهم و"تحلبهم"؛ هي مجموعة من المغالطات التي لا أصل لها، والتي تصل كل عام إلى حد كتابة أخبار برفع رسوم الجامعة الدراسية وهو في حقيقة الأمر لم يتم رفعه مطلقا، وكنت شاهدا على العديد من تلك الأخبار والمغالطات. ولو قدر لأحد هؤلاء الطلبة الدراسة في جامعة أخرى في الضفة الغربية مثلا وليس خارج الوطن لوجودا اختلافا كبيرا، ثم إن كثيرا منهم استفادوا من المنح التي كانت تصل من خلال الجامعة قبل توقفها مثل المنحة التركية، رغم اتعراضي على بعض السياسات التي كانت الجامعة تنتهجها مع الطلبة بهذا الخصوص.
  •  التضخم غير الصحي في عدد الجامعات والكليات والمعاهد العليا بقطاع غزة، جعل النظرة إلى التعليم العالي نظرة مادية أكثر منها مهنية، وزاد من وتيرة التنافس بين الجامعات والكليات بصورة غير صحيحة ستؤتي ثمارها في الأجيال التي تتخرج من تلك الجامعات والكليات.
  •  تقليص الدعم الموجه لطلبة الجامعة بصورة كبيرة جدا، بسبب المضايقات التي تتعرض لها الجمعيات الخيرية في قطاع غزة، وعدم توفر مصادر لتمويل دراسة الطلبة إلا بالحد الأدنى.
  • وأمام كل هذه النقاط التي عرضتها، أجد لزاما على إدارة الجامعة وهي الجهة المسئولة رسميا عن البحث عن حلول حقيقية وإثارة الموضوع بقوة من خلال مندوبين لها في الخارج، لأنهم محرومين من حرية الحركة والتنقل بفعل الحصار، خاصة أن الأزمة ليست وليدة اللحظة وما يؤخذ على إداراتها المتعاقبة أنها كانت "تسييرية" فقط.
والنقطة الأخيرة...لماذا وصفت الأزمة بأن "رب ضارة نافعة"؟الأزمة المالية في الجامعة كشفت عن خلل خطير وخطأ فادح في إدارات الجامعة المتعاقبة؛ فلا رؤية تخطيطية للمستقبل لديهم على صعيد الاستثمار وبناء مشاريع إنتاجية والتفكير بإيجاد مصادر دخل مستديمة وليس فقط مصادر دعم غير مضمونة الاستدامة.الجامعة تفتقر إلى المشروعات الاستثمارية التي يمكن بواسطتها توفير جزء من المصروفات، وأقل هذه المشروعات هو الاستفادة من محيط الجامعة المكتظ بالطلبة والسكان من خلال مشروعات تجارية وغير ذلك.الأزمة ستأخذ طريقها إلى الحل بصورة جزئية أو كلية، خلال عام أو عامين أو أكثر... غير أن العبر والدروس المستفادة من تلك الأزمة هي الأهم للجامعة لتتحول إلى نهج تفكير عملي وممارسة فعلية لديها من أجل عدم الاعتماد على المعونات والتبرعات التي أوصلت قضيتنا وشعبنا إلى حالة إنسانية "يُرثى لها".


رابط المقال: http://cutt.us/jMFzb

تعليقات