غزة
– محسن الإفرنجي:
لم يكن الطفل
لؤي صبح الوحيد الذي فقد بصره بسبب الإصابة بالفوسفور الأبيض بل عائلات بأسرها
أصيبت به ومنها من بقيت آثار الحروق شاهدة على جرائم الاحتلال كما حدث مع عائلة
الراعي، في حي تل الهوا المكتظ بالسكان جنوب مدينة غزة .
رغم مرارة
أيام العدوان الـ 23 إلا أن فجر يوم الأحد الذي وافق اليوم السادس عشر للعدوان كان
أشد مرارة فقد قصفت طائرة حربية إسرائيلية منزل أفراد العائلة بقنبلة فسفورية
(فسفور أبيض) أصابته بشكل مباشر منزل عائلة مما أسفر عن إصابتهم بحروق من الدرجة
الثالثة كان من الصعب على الأطباء في مستشفيات غزة التعامل معها.
جلست الأم
هبة، (22 عاماً)، تستذكر برفقة أطفالها ليلى، (8 أعوام)، وخضر، (4 سنوات) لحظات الإصابة
و الحروق والصراخ "ياه كأنه حلم لم ينته بعد" تقول مؤكدة أن أوضاعهم
النفسية تأثرت بصورة كبيرة بفعل الجريمة الإسرائيلية.
وكان مركز
الميزان لحقوق الإنسان التقى هبة وليلى جدة الأطفال، البالغة من العمر (50 عاماً).
وكان محور المقابلة حول كيفية تأقلم الأطفال بعد الاعتداء على منزلهم.
الطفل لؤي صبح بعد إصابته بحروق أفقدته بصره |
ويصيب الفوسفور
الأبيض جسم الإنسان فيسبب له ألماً شديدا و حروقا عميقة من الصعب القضاء عليها وقد
شكلت مشاهد المصابين بحروق خلال العدوان صدمة لكل الأطباء و الأهالي حتى المؤسسات
الدولية الطبية و الوفود الزائرة.
النيران من أمامنا وخلفنا
"في
البداية لم نر شيئا في المنزل. كل شيء كان يضيء ويشتعل..الأطفال يرتدون جوارب اشتعلت
فيها النيران. وكانوا يصرخون طوال الوقت." تتذكر ليلى بحسرة "بدأت هبة
بالجري وهي في حالة ذعر تحاول أن تجد طريقا لنخرج خارج المنزل".
خضر الراعي (54
عاماً)، زوج ليلى قال لباحثي مركز الميزان:" سقطت قذيفة فسفور أبيض بجوار
جدران المنزل وحوصر أفراد العائلة داخل المنزل المحترق. تمكنوا من الهرب عبر
الشرفة الشرقية ورقدوا هناك وهم ينزفون منتظرين فرق الهلال الأحمر ليخلي المصابين".
كن الحروق
المشتعلة لم تشفع لهم للسماح لسيارات الإسعاف بالوصول إلى المنطقة بسبب انتشار
الدبابات الإسرائيلية ولم يتم إخلاء المصابين إلا عند حوالي الساعة 8 من صباح
اليوم التالي.
تلقى معظم أفراد العائلة العلاج لعدة أسابيع في
مستشفى الشفاء بمدينة غزة حيث كان الأطباء غير ملمين بعواقب قنابل الفسفور الأبيض
وكانوا غير قادرين على إعطائهم العلاج المناسب لتلك الحروق.
ووفقا لمنظمة هيومان رايتس ووتش (HUMAN RIGHTS WATCH) فإن استخدام إسرائيل المكثف للفسفور الأبيض في الأحياء السكنية المكتظة
شكل "انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، وإن استخدام هكذا ذخائر يتطلب اتخاذ
تدابير وقاية ملائمة لتجنب إيذاء المدنيين ومنع الاعتداءات العشوائية".
تداعيات
نفسية متواصلة
وتبدي الأم هبة
قلقا متزايدا على أوضاع أطفالها الصغار بسبب الأثر النفسي طويل المدى للإصابة
بالفوسفور الأبيض خاصة ابنتها الكبرى ليلى "فهي شفيت تقريبا من ناحية جسدية
بعد مرور عام تقريبا على الاعتداء ".
و
"بالرغم من أن عظم أقدام ابنتي أصيبت في الاعتداء فكان يؤلمها وبشكل كبير أن
ترتدي أحذية غير التي اعتادت أن ترتديها قبل الهجوم. كان علينا أن نرسلها إلى
المدرسة منتعلة "شبشب" على مدار عدة أشهر وهذا كان يشعرها بالخجل
الشديد. كانت ترفض الذهاب إلى المدرسة. كنت أذهب معها إلى المدرسة وأدخل معها الصف
وأجلسها على مقعدها".
وقد أخبر
المدرسون والدتها أن أداء ابنتها في المدرسة قد تدهور بعد الإصابة "فقد أصبحت
ليلى الآن هادئة في الصف ولا تشارك في أي نشاط. تبدو وكأنها لا تعرف شيئا عما
نشرحه في الفصل. أعرف أن كل أم تعتقد بأن أبنائها أذكياء ولكن ليلى كانت فعلاً
ذكية قبل الاعتداء. كانت تحصل في معظم الأوقات على أعلى الدرجات أما الآن فهي تحصل
على 13 أو 14 درجة من 20"وفق مدرسيها.
"لا أعرف ماذا أفعل ولا أعرف لمن أتوجه بالسؤال لكي يساعدني" تتساءل
هبة بدهشة ولوعة" لا زالت ابنتي ليلى تبلل ملابسها وهي نائمة وهي تخاف من كل
شيء الآن. حتى أنها تخاف مني أنا أمها وترتعش وترتجف من دون أي سبب. وهي لا تذهب
إلى السطح لكي تلعب وإذا كان صوت التلفاز مرتفعا تجري خائفة إلى غرفتها. كذلك ابني
خضر أصبح عصبيا جدا وفقد الكثير من وزنه. وبعد الاعتداء بدأ يتكلم أثناء النوم و
لا أفهم ما يقوله وهو نائم".
ومن تأثيرات الإصابة أن حفل زفاف أقيم بجوار منزلهم بعد عام تقريبا من العدوان وجرى خلاله إطلاق
ألعاب نارية وعندما سمع الأطفال صوت الطلقات النارية هربوا وحزنوا كثيراً.
"لا أعتقد أن أطفالي سينسون ما حدث معهم بمن فيهم ابني خضر، الذي كان
يبلغ من العمر (3 سنوات) وقت الاعتداء. وعندما يأتي الناس لزيارتنا يخبرهم خضر :أمي
تركتني في النار وهربت! هذا يؤلمني كثيراً".
أطفال فقدوا
أبصارهم و طرافهم ولا زالت آثار النيران تشوه أجسادهم لكنها فشلت في انتزاع
إرادتهم و بصيرتهم وصمودهم الذي لا يوصف في معركة الإرادة.
تعليقات
إرسال تعليق