إلقاء "القمامة" خلال
العدوان على غزة
عقابه "القصف والقتل"..!!
والدا الأطفال الشهداء الثلاثة يقفون خلف صورة لهم |
غزة – محسن الإفرنجي:
مر عام وحل عامان غير أن طلال حمدان،
وزوجه إيمان لا يزالان يستذكران تفاصيل المشاهد المؤلمة للعدوان على غزة، بعد أن
فقدا خلاله ثلاثة من أطفالهما الأبرياء.
هيا، 12 عاماً؛ ولما، 10 أعوام؛
وإسماعيل، 5 أعوام، لم تمهلهم طائرات الاحتلال طويلا فقد أطلقت طائرة من طراز F-16 صاروخاً على المنطقة التي كانوا يتواجدون فيها في بيت حانون شمال
قطاع غزة، فقتلتهم جميعاً وأصابت والدهم.
"كان الأطفال ذاهبين
برفقتي لإلقاء القمامة في موقع قريب لتجميع النفايات عندما استهدفت قوات الاحتلال
المنطقة"، يقول الوالد المكلوم طلال حمدان، 47 عاماً غير مصدق أنه لن يراهم
بعد اليوم رغم مرور ثلاثة أعوام على استشهادهم، متسائلا: "هل من يلقي القمامة
في الحاوية يتعرض للقتل؟!".
الأطفال الثلاثة هم الأصغر
سناً بين إخوتهم وأخواتهم. ومنذ ذلك
الوقت، لم ينجب الزوجان أي أطفال آخرين.
وأضاف حمدان: "عندما أستيقظ
في الصباح، أول ما يخطر ببالي هو أطفالي، فأجلس خارج المنزل وأتخيلهم يلعبون في المكان
الذي اعتادوا اللعب فيه، لا أريد أن أخرج وأتعامل مع الناس بعد الآن، وأفضل أن أبقى
في المنزل".
وأسفر العدوان الإسرائيلي على غزة خلال الفترة
من 27 ديسمبر 2008 حتى 18 يناير 2009 والذي أسمته قوات الاحتلال "عملية
الرصاص المصبوب" عن استشهاد 1419 مواطنا فلسطينياً، من بينهم أكثر من (350)
طفلا، كما أصيب 5300 آخرون، فيما عمدت قوات الاحتلال إلى استهداف ومهاجمة
البيوت والمنشآت المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمساجد.
أبكيهم وحيدة..!
لكن الفترة الأصعب بالنسبة لوالدة
الأطفال "إيمان" كانت تلك التي تلت جريمة مقتلهم مباشرة، عندما وجدت نفسها
تحت تأثير صدمة كبيرة، تقول عنها إيمان
لباحثي المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: "بعد وفاة أطفالي، لم أكن قادرة على البكاء،
ولم يتح لي المجال كي أبكيهم، ولكن بعد أن بقيت لوحدي، لم أتمالك نفسي وأجهشت في البكاء".
الصدمة النفسية التي نتجت عن الجريمة
أدت إلى تدهور حالة الأم الصحية، بما في ذلك آلام الظهر والقدمين فهي اليوم "بالكاد
أستطيع النوم ليلاً، فقد أنام لمدة ساعتين طوال اليوم" وتتضاعف أحزانها نتيجة تجربة فقدانها لوالدها وأخيها
واثنين من أبناء عمومتها في يوم واحد خلال الانتفاضة الأولى.
بعد ثلاث سنوات من العدوان على غزة تبدلت أحوال
عائلة حمدان، شأنها في ذلك شأن المئات من الأسر الغزية المتضررة، فقد كان والد
الأطفال الشهداء يعمل في السابق في مجال البناء ونتيجة للقصف الذي أصابه وجد نفسه عاجزاً
عن العودة إلى العمل.
وتعتاش عائلة حمدان الآن من المساعدات
الغذائية التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) و المساعدة
التي يقدمها لهما ابناهما.
وكان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
تقدم بشكوى جنائية نيابة عن عائلة حمدان بتاريخ 21 يوليو 2009، لكنه لم يتلقَ أي رد
حتى الآن من الجهات المختصة الإسرائيلية، وتضاف هذه الشكوى إلى (490) شكوى جنائية قدمها
المركز إلى السلطات الإسرائيلية بالنيابة عن 1046 من ضحايا عملية "الرصاص
المصبوب"، إلا أنه حتى الآن لم يتلق سوى ردين فقط.
تغيرات
"دراماتيكية"..!
وعن التغيرات التي طرأت على
عائلة حمدان يقول الوالد: "عندما أستيقظ في الصباح، أول ما يخطر ببالي هو أطفالي،
فأجلس خارج المنزل وأتخيلهم يلعبون في المكان الذي اعتادوا اللعب فيه، لا أريد أن أخرج
وأتعامل مع الناس بعد الآن، وأفضل أن أبقى في المنزل".
لقد كانت علاقة طلال بابنه إسماعيل
وثيقة جداً، "كان إسماعيل يتوسل إلي كي آخذه معي حيثما أذهب، وقد كنت آخذه معي
وكنا طيلة الوقت معاً".
حتى أنه لم يعد يحتمل أن يتوجه
للعلاج في المستشفى الذي تم تحويل أطفاله الثلاثة إليه بعد إصابتهم، فتجده يبكي
"بحرارة" مستذكرا مشهد جثامينهم وهم بجوار بعضهم البعض حتى أن الأطباء اعتقدوا
في بادئ الأمر أنه خائف من الحقن، لكن أفراد العائلة شرحوا لهم السبب الحقيقي
لبكائه وخوفه فيما أسرع هو بمغادرة المستشفى قبل تلقي العلاج.
لحظات دامية من التفكير لا
تغيب عن مخيلة الوالدين خاصة مع اقتراب الذكرى السنوية المقبلة للعدوان، وتقول إيمان
عن ذلك: "في الذكرى السنوية لوفاتهم أحاول أن أبقي نفسي منشغلة كي لا أفكر في
الأمر كثيراً، ولكنني لا أذهب لزيارة القبور، فأنا لا أقوى على تحمل ذلك".
أما الآن، فقد أصبح لدى العائلة
حفيد يعيش معهم ويدعى إسماعيل أيضاً، "نحاول أن نعوّض أنفسنا لفقداننا إسماعيل
بأن نصعد إلى الأعلى كل صباح ونرى حفيدنا إسماعيل ونمضي بعض الوقت معه" وفق
الوالد طلال.
لكن ماذا عن المستقبل، والمخاوف والآمال التي لا
تزال تراود عائلة حمدان، فيقول عنها طلال: "نحن دوماً قلقون من تكرار العدوان
مرة أخرى، ما قد يتسبب في مقتل أفراد آخرين من العائلة، لذا فإنني أطلب من بناتي أن
يعتنين بأنفسهن وبإخوتهن الأصغر سناً".
"أتمنى أن يعم السلام وأن
ننعم بالهدوء في نهاية المطاف، والأهم من ذلك، أتمنى ألا يقتل المزيد من الأطفال في
أحداث مشابهة. يمكنني تفهم الأمر عندما يقتل
البالغون أثناء الحرب، ولكن الأمر الذي لا يمكنني تصوره هو أن يقتل الأطفال".
ولا يزال المواطن حمدان يرى في
الشكوى القانونية التي تقدمت بها العائلة عقب مقتل أطفالها عبر المركز الفلسطيني
"بارقة أمل"، معبّرا عن تفاؤله "أرى أن الأمر سينجح، فأطفالي لم يكونوا
مسلحين ولم تكن هنالك أية أهداف عسكرية في المنطقة".
تعليقات
إرسال تعليق