من يوميات العدوان الإسرائيلي على غزة - 2


مقاتلون بزي أبيض يواجهون قذائف الموت"الأسود"

روشانا زوجة الشهيد د.إيهاب المدهون
غزة – محسن الإفرنجي: 
ما أروع أن تؤدي واجبك المهني والإنساني ؟ وما أقسى أن تكون هدفا للاحتلال لمجرد أداء هذا الواجب وأن تدفع روحك ثمنا لذلك!
تقدم الدكتور إيهاب المدهون (33 عاماً)، مدير عيادة الزيتون في مدينة غزة مسرعا برفقة سائق الإسعاف عصمت عجور (30 عاماً)، و المسعف سعيد أبو حصيرة، (30 عاماً)، لإنقاذ عدد من الجرحى الذين سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي في منطقة جبل الريس شمال شرق مدينة غزة..فماذا كانت النتيجة؟!

كان يوم الأربعاء 31 ديسمبر 2009 (اليوم الخامس للعدوان على غزة ) دمويا مثل باقي أيام العدوان 
وأمام مشهد جرح العديد من المواطنين العزل خرج ثلاثتهم (د.المدهون والمسعف أبو حصيرة و السائق عجور ) من سيارة الإسعاف لإنقاذهم فعاجلتهم طائرة حربية إسرائيلية بصاروخ أدى إلى استشهاد د.المدهون وأبو حصيرة وكان السائق عجور الناجي الوحيد من بينهم.
ويعد د.إيهاب ومحمد اثنين من بين سبعة عشر شخصاً يعملون في مجال الطوارئ، قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء تأديتهم لواجبهم أثناء العدوان على غزة إلى جانب إصابة خمسين شخصا يعملون في مجال الطوارئ بما يتناقض مع الاتفاقات الدولية كافة حسب مركز الميزان لحقوق الإنسان.
وتحول الأطباء والمسعفون إلى أهداف لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان كما غيره مما جعل مهمة إنقاذ الجرحى و إخلاء جثث الشهداء التي بقيت بعضها أياما و أسابيع مهمة مستحيلة بل و تعرض صاحبها إلى الموت السريع.
  و شنت سلطات الاحتلال منذ بداية عدوانها على غزة مئات الغارات الجوية بمشاركة أكثر من ثمانين     طائرة حربية مقاتلة فضلاً عن إطلاق آلاف القذائف الجوية و المدفعية والبحرية، استهدفت المنازل السكنية الآمنة والمنشآت المدنية والمساجد والجمعيات الخيرية، إضافة إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، والمباني الحكومية والوزارات و المقار الأمنية المدنية جميعها ، وورش الحدادة.
                                                                       أدى واجبه و رحل..!

"كان يؤدي واجبه في ذلك اليوم" بكلمات متواضعة عبرت روشانا المدهون (28 عاماً) روسية الأصل عن مشاعرها المضطربة إزاء جريمة قتل زوجها د.المدهون.
وقالت لباحثي مركز الميزان: " ذهب لينقذ الجرحى جاءت إلي أخت زوجي وأخبرتني انه أصيب فأخبرتها أنا كنت أجهز نفسي لما هو أسوأ من ذلك. كان لدي إحساس دائم بأنه يوماً ما سيخرج ولن يعود. فردَّت عليَّ: لا تقولي ذلك سيكون على ما يرام".
"وجاءت في اليوم التالي وكانت تبكي لم أعرف سبب بكائها. اعتقدت أنها تبكي على الفلسطينيين الذين قتلوا أو جرحوا في ذلك اليوم لأن مشاهد القتل اليومي تدمي القلوب. صدمت كثيرا عندما أخبرتني ... شعرت بالدوار ولم استطع التنفس ... شعرت بالعجز وكانوا يأخذوني إلى بيت العزاء وكانوا يخبروني أين أجلس وماذا أفعل. كنت أفكر "كيف سأتأقلم ؟ أنا وحيدة الآن" لم أكن اصدق أنه قتل.".  
واستهدفت قوات الاحتلال خلال عدوانها الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف بشكل منظم، ومنعتهم من الدخول إلى المناطق التي أعلنتها عسكرية مغلقة كما رفضت السماح لهم بدخول تلك المناطق بالرغم من تدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كثير من الأحيان ما دفع السكان المدنيون إلى محاولة مساعدة أقربائهم وجيرانهم الذين تعرضوا للقصف، ولكن قوات الاحتلال جعلت من المدنيين هدفاً مباشراً لنيرانها.
رحل الطبيب المدهون تاركا زوجته الروسية مع أطفالها نور (تسع أعوام ) وسجود (ابنة الثماني أعوام)  و خالد، (ست سنوات) إضافة إلى أصغرهم وهي الطفلة أمل، البالغة من العمر سنتين. 
وتقول روشانا: " لم أتخيل أن الأمر صعب إلى هذا الحد، وما زاد في صعوبته هو أني من بلد آخر. قابلت زوجي في روسيا قبل عشر سنوات حيث كان يدرس الطب في روسيا. تركت بلدي وأهلي وانتقلت للعيش في غزة معه.
ومضت تسرد فصول مأساتها بعد عام من استشهاد زوجها: "عندما جئت إلى غزة وجدت الكثير من الناس يقتلون، اعتدت أن اسأل زوجي: "ماذا سأفعل إذا مت أنت؟ فطلب مني المكوث في غزة وعندما قتل طلبت مني عائلتي في روسيا أن أترك غزة وأن أعود إلى روسيا ولو لبعض الوقت. لكن شيئا ما يربطني بغزة. لقد ساعدني أهل زوجي كثيرا لكي أتأقلم مع الوضع الجديد. فأنا أقضي معهم طول الوقت بعد مقتل إيهاب. لم يتركوني وحيدة. بحثت عن عمل وأنا الآن مدرسة في روضة للأطفال. هكذا أنا أحاول أن أتأقلم.".
أين العدالة الدولية؟
إياد المدهون (35 عاماً) شقيق الشهيد رغم ثقته المطلقة في انحياز المجتمع الدولي إلى إسرائيل التي ترتكب المجازر ضد المدنيين الأبرياء إلا أنه يصر على ملاحقتهم قضائيا.
وقال إياد لباحثي "الميزان" : "طبيب.. في سيارة إسعاف.. يرتدي السترة الخاصة والشارة الطبية. كان واضحاً أنه ليس مقاتل. حتى أنه أخبر المسعفين الذين كانوا معه بألا يحملوا الحمالة الطبية التي كانت داخل سيارة الإسعاف حتى لا يظن الإسرائيليون أنها سلاح. كان حذراً..ورغم ذلك قتلوه".
"متى سيتوقف المحتلون عن قتل المدنين والأطباء والأطفال."
لكن القلق الأكبر لدى عائلة الشهيد المدهون هو على أطفاله وتقول روشانا "لقد اثر مقتله بشكل كبير على ابنتنا أمل فقد أصبحت انطوائية وتبكي طوال  الوقت. حتى الآن عندما ترى صورة والدها تبكي. لقد كانت أمل قريبة جداً من والدها بالرغم من صغر سنها. عندما ترى رجلا يحمل حقيبة مثل والدها تعتقد انه هو. عندما يرن هاتفي الجوال يعتقد أبنائي بأن المتصل هو والدهم".
"لا أزال أعاني نفسياً من الحرب الأخيرة وأنا خائفة جدا مما قد يحدث. وأطفالي كذلك خائفين جداً ولا يريدون أن يبقوا لوحدهم. وكلما مضى الوقت زادت معاناتي وشعوري بالوحدة وافتقاد إيهاب".




تعليقات