هل أثرت الثورات العربية
 على المعونات المقدمة للسلطة الفلسطينية؟



مانشستر/ محسن الإفرنجي:

رواتب..مصاريف..التزامات...فواتير...بطالة...مترادفات مختلفة تنتج أزمات بأشكال متنوعة خاصة المالية منها؛ تلقي بظلالها الكئيبة وتداعياتها الثقيلة على حياة الفلسطينيين أفرادا وحكومة ومؤسسات في المجالات المختلفة مما يضاعف المعاناة ويعزز الحاجة إلى حلول جذرية وليست "إغاثية".
مؤشرات الأزمة المالية الفلسطينية متعددة لكن أبرزها مشكلة صرف رواتب صرف رواتب حوالي 150 ألف موظف في الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل أزمة اقتصادية متراكمة لا تتوقف عند حد معين، بل تتجدد بأشكال متنوعة متأثرة بالتطورات الفلسطينية والعربية والدولية.
ومع حلول استحقاق سبتمبر المتعلق بإعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، لا يرى الفلسطينيون بارقة أمل قد تخلصهم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرون بها خاصة في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي، والتهديدات الأمريكية بقطع المعونات عن السلطة علاوة على عدم نجاح جهود المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" في إنهاء الانقسام بينهما.
وعلق ممثل صندوق النقد الدولي في القدس، أودو كوك، على ذلك بقوله لشبكة الأنباء الإنسانية "إيرين": "لقد تدهورت الأوضاع المالية للسلطة الفلسطينية بسبب نقص التمويل المُقدم من الجهات المانحة، كما أن الإيرادات التي تم تحصيلها جاءت أقل مما تم رصده في الميزانية" .
وكانت نقابة الموظفين العموميين في الضفة الغربية هددت باتخاذ عدة خطوات تصعيدية ضد الحكومة على خلفية صرف نصف رواتب الموظفين وما أسمته الخصومات العشوائية من رواتب الموظفين (العلاوة الاجتماعية) في ظل زيادة نسبة غلاء المعيشة.
أزمة مستفحلة!!
والأزمة المالية المستفحلة بدت علاماتها واضحة في غزة والضفة وإن اختلفت المعايير والتداعيات الخاصة بتلك الأزمة.
د.غسان الخطيب، مدير المركز الإعلامي الحكومي في رام الله، عزا نقص الميزانية إلى كون "معظم المانحين العرب لا يدفعون" موضحا أن ميزانية السلطة الفلسطينية تفتقر شهريا، ومنذ بداية العام الجاري لحوالي 35 مليون دولار "كان مقرر لها أن تأتي من الجهات المانحة.
 ويقدر د.الخطيب في تصريحات أدلى بها لشبكة "إيريرن" المبلغ الإجمالي غير المدفوع منذ شهر يناير الماضي بنحو 300 مليون دولار".
ولا تغيب الأزمة المالية عن الحكومة في غزة التي واجهت خلال الاشهر الأخيرة مشكلة في توفير رواتب موظفيها الذين يتراوح عددهم ما بين (25-30) ألف موظف عسكري ومدني ، غير أن الحكومة اعتبرت أن المشكلة تتمثل في "عدم توفر سيولة مالية" وأن "لا مشكلة مالية حقيقية لديها".
وحسب تصريحات لبعض مسؤولي الحكومة الذين التقتهم شبكة (إيرين) فإن "حكومة غزة تُحصِّل ما بين 10 و12 مليون دولار من العائدات المحلية، بينما يأتي ما تبقى من ميزانية الحكومة التشغيلية التي تقدر بحوالي 30-35 مليون دولار من مصادر خارجية".
وذكر أحد المسئولين في حكومة غزة للشبكة أنه قد يحدث مزيد من التأخير نتيجة "بعض المشاكل اللوجستية المرتبطة بعملية الحصول على الأموال، بسبب الاضطرابات السياسية في المنطقة".
ويزيد من حدة الأزمة المالية في غزة الحصار الإسرائيلي الذي يحرم الحكومة في غزة من الحصول على أي مساعدات أو تحويلات مالية حتى أن البنوك لا تتعامل مع تلك الحكومة بسبب الضغوطات والتهديدات الإسرائيلية والأمريكية لهم.
وكان التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2010 الذي أصدره مركز الزيتونة للدراسات ببيروت ذكر أن إجمالي النفقات العامة للسلطة لسنة 2010 بلغت حوالي 2,983 مليون دولار، مقارنة بـ 2,920 مليون دولار سنة 2009، بنسبة ارتفاع قدرها 2.2%. وقد بلغت نفقات الأجور والرواتب سنة 2010 ما مجموعه 1,564 مليون دولار، أي ما نسبته 52.4% من إجمالي النفقات، مقارنة بـ 1,423 مليون دولار سنة 2009، مثلت ما نسبته 48.7% من إجمالي النفقات.
وبخصوص قيمة العجز في الميزانية قبل احتساب الدعم الخارجيفقد بلغت 1,082 مليون دولار سنة 2010، مقارنة بعجز قيمته 1,372 مليون دولار سنة 2009. أما بعد احتساب الدعم الخارجي، فقد حققت ميزانية سنة 2010 فائضاً قيمته 195 مليون دولار، حيث بلغت قيمة الدعم الخارجي 1,277 مليون دولار، في حين كان هناك فائض قيمته 30 مليون دولار في سنة 2009، التي بلغت قيمة الدعم الخارجي فيها 1,402 مليون دولار. ويُظهر ذلك تراجع حجم المنح والمساعدات الخارجية المقدمة لدعم ميزانية السلطة بنحو 9%.
الثورات غيرت الأولويات، لكن..!
ويرى خبراء أن "الدول العربية اضطرت للتركيز على اهتمامات أخرى منذ اندلاع ثورة يناير في مصر وما تلاها من أزمات في أجزاء أخرى من العالم العربي مثل ليبيا وسوريا" حسبما ذكروا للشبكة الدولية.
لكن المحلل المالي في مركز مانشستر للتحليل المالي ببريطانيا د. رامي عبده يخالفهم الرأي إذ لا يعتقد ان "هناك أثرا حقيقيا للثورات العربية على حجم المعونات المقدمة للسلطة" معتبرا أن التزام الدول العربية بالايفاء بالتزاماتها المعلنة منذ سنوات عديدة كان محل شكوى دائم من قبل الحكومة الفلسطينية.
وقال د.عبده "للقدس": "الدول التي اندلعت فيها ثورات عربية لا يمثل ما تقدمه حجم مهم من اجمالي المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية".
وتشكل التبرعات الخارجية للسلطة ما يزيد عن ربع الميزانية الفلسطينية التي تبلغ 3.7 مليار دولار أمريكي، تستخدم لدفع الرواتب وتغطية الإنفاق الحكومي في مجالات أخرى وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).   
ونقلت "أوتشا" عن وزارة المالية الفلسطينية، أن الأخيرة حصلت على 33 بالمائة فقط مما يجب أن يوفره الدعم الخارجي للميزانية خلال الفترة من يناير إلى يوليو، بدلاً من نسبة 58 بالمائة التي كان ينبغي وصولها خلال الفترة نفسها.
وكانت المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة أكبر الدول العربية المانحة للسلطة الفلسطينية، قدمت دفعة جزئية بمبلغ 30 مليون دولار في شهر يوليو.
وبحسب المحلل المالي عبده فإن الازمة المالية للسلطة نتجت بشكل أساسي عن "افتراضات خاطئة من البداية راهنت على المجتمع الدولي وعلى ما يتكرم به الاحتلال، في الوقت الذي كانت فيه كل المعطيات تشير الى فشل الرهان".
وأضاف: "نتحدث عن تضاعف حجم الموازنة العامة للسطلة الفلسطينية منذ عام 2000 الى هذا العام بنحو أربع مرات، من موازنة بفائض عام 2000 الى موانة بعجز يتجاوز 47% من اجمالي الانفاق".
غياب الرؤية
وثمة "غياب لرؤية واضحة للتعامل مع الازمة، فالدكتور سلام فياض الذي كان مهندس التوسع في الانفاق حتى قبل استلامه لمنصب وزير المالية عام 2003 عندما كان ممثلا لصندوق النقد الدولي مرتكزا الى النظرية "الكينزية"، ما لبث وأعلن عن رغبته في تنفيذ خطة تقشفية، تتناقض وبشكل واضح مع ممارسات توسعية في الانفاق مارسها خلال العامين الماضيين خاصة في الوظائف العامة" وفق المحلل المالي د.عبده.
ومضى يقول: "لك ان تتخيل ان يتم توظيف نحو 20 الف موظف في الضفة الغربية جلهم في الاجهزة الامنية في التسع أشهر الاول من عام 2009 بما يمثل زيادة بنحو 50% من عدد الاجهزة الامنية في الضفة، مع سعي حقيقي لربط المواطن البسيط بمشروع السلطة".
فما المخرج إذن من تلك الأزمات المالية المستعصية؟ يجيب د.عبده: "أعتقد ان المطلوب هو اشراك الجميع في وضع الحلول وخلق نوع من التفهم لاية اجراءات تتخذ بشكل مجمع عليه وطنيا ومهنيا، دون تفرد من اي طرف في المعالجة، لان المعالجة ستؤثر على الكل الفلسطيني، وفي مقدمتهم القطاع الخاص".
الثورات العربية لم تؤثر بصورة جوهرية على المعونات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية؛ غير أن السياسات المالية الفلسطينية أصبحت بحاجة ماسة إلى إعادة تقويم في ضوء الأزمات المتتالية التي تعصف بها والخطوات السياسية المرتقبة التي من المتوقع الإعلان عنها، دون إغفال أهمية تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام لتخفيف حدة تلك الأزمات.

تعليقات