سيناريو جديد للحصار بطعم المايونيز والكاتشب والكزبرة















غزة – محسن الإفرنجي:
لم يجد التاجر أحمد صيام غير ضحكة بملء فيه للرد على المزاعم الإسرائيلية الجديدة بخصوص تخفيف الحصار عن غزة و السماح بإدخال بضائع كانت سابقا ممنوعة من بينها "الكاتشب" و "المايونيز".
لكنه استعاد هدوءه واستدار وهو يمسك بألعاب أطفال في يده قائلا " هذه الألعاب كانت ممنوعة ولو ظلت ممنوعة لما حسنت أوضاعنا المتردية وكثير من البضائع الممنوعة متوفرة اليوم في السوق و مكدسة لا تجد من يشتريها في ظل وجود الأنفاق" مؤكدا أن السماح بإدخال مواد بناء على سبيل المثال يعني تشغيل العديد من القطاعات التي باتت شبه مدمرة بسبب الحصار.


وفي محاولة منها لامتصاص النقمة العالمية ضد سياساتها العدوانية تطرح إسرائيل العديد من الحلول الجزئية لتخفيف حدة الحصار عن غزة بمواصفاتها و معاييرها التي يعتبرها التاجر صيام و غيره من المواطنين الغزيين " كلام فاضي لا يحمل أي جديد ".
لكن وزير الاقتصاد في غزة زياد الظاظا يرى أن السلع التي تسمح سلطات الاحتلال بإدخالها إلى قطاع غزة " مثيرة للضحك و تلاعب بمشاعر الناس وتزييف للحقائق ".
وفي أحدث سيناريو جديد للحصار أعلنت إسرائيل عن السماح بإدخال سلع جديدة مثل المايونيز والكاتشب ورباط الحذاء والأزرار والإبرة والدبوس والخيط العادي، والكزبرة، وأوراق الكتابة (من حجم A4)، والشوكولاته، والحلويات، وشفرات الحلاقة، وألعاب الأطفال، فيما ظلت المواد الخام، كالاسمنت والحديد والأسمدة وقطع الغيار،والمواد الأولية الخام للصناعة والزراعة في قائمة الحظر.
ومنذ المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل ضد أسطول الحرية وراح ضحيتها تسعة نشطاء أتراك استقطبت قضية الحصار على غزة أنظار و اهتمام العالم بمؤسساته الرسمية وحكوماته و منظماته الشعبية و الأهلية مما وضع الاحتلال في " مأزق سياسي حاد " يحاول التحايل عليه من خلال تصريحاته التي رفضتها السلطة الفلسطينية مطالبة بضرورة الرفع الشامل والكامل للحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة.
وقال رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات: " الرئيس محمود عباس طالب بإيصال بضائع غزة إلى الضفة الغربية وبالعكس، و هناك ست معابر رئيسية بين قطاع غزة وإسرائيل يجب أن تفتح، وتعمل بالكامل".
وكان عباس أبلغ جورج ميتشل المبعوث الأميركي لعملية التسوية في الشرق الأوسط أنه "خلال الثلاثة شهور الأولى من عام 2007 دخل قطاع غزة أكثر من 36 ألف شاحنة محملة بالبضائع، بينما في الثلاث الشهور الأولى من العام 2010 دخل 3600 شاحنة، أي 10% فقط".
نغمات الحصار...!
ويجد المواطنون الغزيون الذين اكتووا بنيران الحصار المتواصل على مختلف جوانب حياتهم في السيناريوهات الإسرائيلية المقترحة بخصوص تخفيف الحصار بأنها مجرد " نغمة جديدة مثل نغمات الجوال أو أسطوانة وسيمفونية تستخدمها إسرائيل لخداع العالم كلما شعرت بأنها في مأزق " كما يقول الشاب أسامة أبو عودة.
وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية ناقش مؤخرا تخفيف الحصار البري المفروض على قطاع غزة منذ أربع سنوات، دون رفعه بالكامل وهو ما رفضته " بالمطلق" حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير شئون قطاع غزة.
ووفق تصويت وزاري، أقر المجلس السماح بإدخال جميع السلع الغذائية وتحديد قائمة بالمواد المحظورة بدعوى أنها " قد تستغل في الجهد القتالي لحركة حماس " فيما تقرر زيادة كميات الإسمنت والحديد لمشاريع البناء بإشراف منظمات دولية فقط، مع إبقاء الحصار البحري.
وما تدعيه إسرائيل إعلاميا نفاه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان – المعتمد لدى المؤسسات الدولية - جملة و تفصيلا مؤكدا أن "معابر قطاع غزة التجارية والمعابر المخصصة لحركة وتنقل سكان القطاع المدنيين لازالت مغلقة، ولم يطرأ أي تغير على أوضاع العمل فيها، في وقت استمرت السلطات المحتلة في إحكام حالة الحصار والخنق الاقتصادي والاجتماعي لأكثر من 1,5 مليون فلسطيني، ما يزالون يعانون حدة الفقر والبطالة، ويكابدون ظروفا قاسية".
لكن هل يعاني قطاع غزة أزمة إنسانية حقيقية ؟ الإجابة تولتها مؤسسة "مسلك" الحقوقية الإسرائيلية مؤكدة أن اعتماد 80% على الأقل من السكان على مساعدات منظمات الإغاثة، ووجود اقتصاد مشلول، و90-95% من المياه الجوفية غير آمنة للشرب، وحركة مُقيدة إلى أدنى حد ممكن ألا تُشكل على أقل تقدير أزمة كرامة إنسانية؟" تتساءل بدهشة.





الحصار ليس مجرد منع بضائع ...!
لكن المشكلة الأكبر لدى المحاصرين في غزة أن إسرائيل تحاول تصوير الوضع في غزة على أنه يسير بشكل طبيعي " فلا مجاعة و لا نقص في البضائع " غير أن المفهوم الفلسطيني للحصار يختلف تماما و يدحض المفهوم الإسرائيلي إذ يراه الحقوقيون " حصار ومصادرة للحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الإنسانية و تقييد لحرية الحركة و التنقل برا و بحرا وجوا مما أحال غزة إلى أكبر سجن في العالم " وفق المركز الفلسطيني.
حتى أن مؤسسة "مسلك" الحقوقية الإسرائيلية للدفاع عن حرية الحركة تدحض الرواية الإسرائيلية في تحديد مفهوم الحصار و المسموح و الممنوع موضحة أن " ثمة سلع كثيرة تمنع إسرائيل نقلها, منها المأكولات, وعتاد الصيد, والورق, رغم عدم وجود أي شك في ثنائية استعمالها لأهداف مدنية وعسكرية في آن واحد " الأمر الذي أسفر عن وقف النشاط الاقتصادي في القطاع، وشلّ الإنتاج، وتدهور مستوى الحياة في القطاع، " ليس إلا بقصد شل الاقتصاد في قطاع غزة" وفق المؤسسة الحقوقية الإسرائيلية.
وقالت "مسلك" في تقرير لها : " حظر نقل المواد الخام إلى قطاع غزة هو جزء من السياسة الاقتصادية التي تدعوها إسرائيل "العقوبات الاقتصادية"، أو "الحرب الإقتصادية"، وتدعوها منظمات حقوق الإنسان "عقوبات جماعية" والدليل على ذلك مثلا، سماح إسرائيل لسكان غزة بشراء رُزَم المرجرين الصغيرة – الزبدة - وهو من المواد الاستهلاكية، في حين تحظر نقل قطع المرجرين الكبيرة لأنها معدَّة للاستخدام الصناعي وليس للاستهلاك البيتي، إذ يمكن استعمالها مثلا في مصنع محلي لإنتاج البسكويت، وهو الأمر الذي تأباه إسرائيل لأنه ينطوي على نشاط اقتصادي. أي أن ما تود منعه ليس المنتَج بحد ذاته، بل استعماله لأهداف صناعية". وتضيف :"إننا أمام سياسة ترمي إلى تدمير الاقتصاد في قطاع غزة كوسيلة ضغط. فقط".
ليس هذا فحسب بل تكشف المؤسسة الحقوقية عن حقائق أخرى تفضح سياسة إسرائيل التي ترفض الكشف عن قائمة السلع المسموح بدخولها إلى قطاع غزة أو الإفصاح عن إجراءات أخرى لها علاقة بتقييد مرور البضائع.
ومضت "مسلك " تقول :" لأشهر عديدة ادعت الدولة عدم وجود قائمة بالبضائع المسموح بإدخالها؛ لكنها اعترفت، في ردها على التماس قدمته جمعية مسلك في إطار قانون حرية المعلومات، بوجود قائمة بالبضائع المسموح إدخالها ووثائق أخرى، و ادعت أن كشف هذه الوثائق سيضر بأمن الدولة و/أو بعلاقاتها الخارجية. سيتم البحث في الالتماس في شهر أكتوبر 2010".
وأعدت "مسلك" قائمة من السلع المسموحة والممنوعة، بناء على معلومات استقتها من تُجار فلسطينيين وإسرائيليين ومن منظمات دولية وأيضا لجنة التنسيق الفلسطينية مشيرة إلى أنه يتضح من قراءة القائمة أن "إسرائيل تمنع دخول بضائع مدنية خالصة، كالملح الصناعي والعلب الفارغة وعبوات الأغذية والجلوكوز.
سيناريو بسيناريو...!
وفي مقابل السيناريوهات الإسرائيلية الإعلامية لتخفيف الحصار عن غزة طرح النائب جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، سيناريو لإنهاء الحصار يتضمن أربع خطوات رئيسية هي " فتح كافة معابر قطاع غزة البرية التجارية بشكل كامل والسماح بتدفق كل السلع دون استثناء بما فيها المواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع والأسمنت وأغراض البناء، إلى جانب فتح الممر الآمن بين غزة والضفة الغربية لتنقل الأفراد وافتتاح الممر المائي بإِشراف أوروبي".
وقال الخضري :" إن عقارب الساعة لن تعود للوراء فما قبل أسطول الحرية يختلف عما بعدها (...) ونحن الآن متقدمون لكسر الحصار مدعومين بالضغط الدولي والشعبي العربي والإسلامي والمؤسساتي وأحرار العالم، وفي مقدمتهم الحق الفلسطيني في حياة كريمة وآمنة".
لكن د. أحمد يوسف وكيل وزارة الخارجية بغزة يضيف إلى السيناريو المطروح العديد من النقاط من بينها
تأكيد حق فلسطين بإنشاء ميناء بحري دولي تنطبق عليه قواعد القانون الدولي والاتفاقات الدولية البحرية، يكون ميناء غزة القائم حالياً نواته مع الحق الفلسطيني في معبر بري دولي مع جمهورية مصر العربية تطبق عليه قواعد القانون الدولي والاتفاقات الثنائية المنظمة للإجراءات، لا تكون لإسرائيل علاقة به مع الحق في إقامة ممر آمن بين الضفة وغزة تتحقق معه الوحدة الجغرافية والسياسية لشطري الوطن.
وقال د.يوسف " الحديث عن كسر الحصار وعن معبر رفح البري وميناء غزة البحري لا ينفي حقنا في إعادة العمل في مطار غزة الدولي، وتحرير الفضاء الفلسطيني من الاحتلال، بما يقرّه القانون الدولي".
السيناريو الجديد للحصار الإسرائيلي على غزة " الحصار الذكي" قد تنجح الدبلوماسية الإسرائيلية في تسويقه لبعض الدول و المؤسسات لبعض الوقت لكن لا تستطيع أن تخفي سياستها العدوانية كل الوقت فالحقائق على الأرض تفضح الاحتلال دائما حتى لو لم يتحرك المجتمع الدولي للجمه ...فهل الموقف الدولي الأخير في أعقاب مجزرة أسطول الحرية و تشديد الحصار على غزة سيختلف عن الموقف ذاته قبل المجزرة..الكرة تبدو الآن في الملعب الدولي لامتلاك زمام المبادرة !!!







تعليقات