" الحصار الذكي "....سياسة إسرائيل الجديدة لتضليل الراي العام العالمي


غزة – محسن الإفرنجي:


حملة الإدانة الدولية التي تعرضت لها إسرائيل ضد حصارها المتواصل لقطاع غزة حاولت امتصاصها و التخفيف من حدتها بالتظاهر بتخفيف الحصار لكن الممارسات الميدانية جسدت حقيقة سياستها العدوانية بعد أن قتلت ستة مواطنين ونفذت عدة توغلات فيما واصلت استهداف المزارعين وملاحقة الصيادين في عرض البحر .
وجاءت حملة الإدانة الدولية لإسرائيل في أعقاب هجومها البحري على " أسطول الحرية " في عرض البحر نهاية الشهر الماضي فقتلت تسعة من نشطاء السلام المتضامنين مع المحاصرين في غزة وأصابت العشرات بجراح وصادرت المساعدات الإنسانية التي كانت على متن السفن.


وهو ما دفع نائب الرئيس الأمريكي " جو بايدن " إلى التحرك من أجل محاصرة الأزمة التي تحاصر إسرائيل موضحا بعد محادثات مع الرئيس المصري حسني مبارك أن واشنطن تتشاور مع مصر وشركائها بشأن بحث " وسائل جديدة للتعامل مع الوضع الإنساني والاقتصادي والأمني والسياسي في غزة ".
وبدلا من أن تستجيب إسرائيل للضغوط الدولية وتعلن فتح المعابر بدأت تدرس " إمكانية فتح معابر جديدة لإدخال البضائع إلى قطاع غزة " حسب موقع صحيفة "هآرتس" الناطق بالعبرية.
وكشف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن تشديد سلطات الاحتلال لإجراءات حصارها المفروضة على غزة، وواصلت عزلته بالكامل عن محيطة الخارجي منذ أكثر من ثلاث سنوات، الأمر الذي حوله إلى سجن جماعي، وأدى إلى شلل في كافة مناحي الحياة.
واستمر تدهور الأوضاع الإنسانية، وبخاصة في ظل فرض حصار شامل على واردات القطاع من مواد البناء والإنشاء التي تمثل حاجة قصوى وطارئة، لإعادة بناء وترميم كافة المنشآت والأعيان المدنية التي تعرضت لعمليات تدمير شامل وجزئي خلال العدوان الحربي على القطاع.
وقال المركز الفلسطيني : " تتدهور الأوضاع المعيشية للسكان المدنيين جراء النقص الخطير في احتياجاتهم الغذائية ".
إدانة دولية للحصار...!
لكن تفنيد الإدعاءات الإسرائيلية الأبرز أظهرته تصريحات المسئولين الدوليين بشأن الحصار من بينها
تصريحات فيليب لازاريني، القائم بأعمال منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، الذي قال في بيان مشترك مع منظمات الإغاثة الإنسانية ورابطة وكالات التنمية الدولية AIDA: " القيود التي تفرضها إسرائيل على الاستيراد والقدرة على الوصول تستمر في خنق قطاع الزراعة في غزة مما يسهم بشكل مباشر في تفاقم انعدام الأمن الغذائي ".
وهو ما أيدته فيه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، مؤكدة أن " الحصار شبه الكامل المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من ألف يوم قد أدى إلى محدودية كمية ونوعية الأغذية المتاحة لسكان القطاع الذين يزيد عددهم عن 1.5 مليون نسمة ".
وقالت سارة ليبرت، مستشارة الاتصال بمنظمة الأغذية والزراعة للضفة الغربية وقطاع غزة في تصريحات سابقة لها :" 61 بالمائة من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وبالرغم من أن هناك مجموعة متنوعة من الأطعمة المتوفرة في قطاع غزة، إلا أن المشكلة تكمن في افتقار الناس للقدرة على شراء الغذاء بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ".
وليس بعيدا عن هذه المعاناة فقد أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها حيال " ارتفاع مؤشرات سوء التغذية، بما فيها زيادة حالات التقزم والهزال ونقص الوزن لدى الأطفال، واستمرار ارتفاع معدلات فقر الدم بين الأطفال والنساء الحوامل " مع استمرار الحصار.
موت بطيء..!
ويعاني العديد من سكان غزة من فقر مدقع وتدهور في مستوى الخدمات التي يحصلون عليها مما اضطر أكثر من 80% منهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية من وكالة غوث و تشغيل اللاجئين "الأونروا" والمؤسسات الإنسانية والشئون الاجتماعية.
وتتساءل جمعية "مسلك " الإسرائيلية الحقوقية :" كيف تقيس إسرائيل "الأزمة" أو كيف تراقب الوضع الإنساني في القطاع، عندما تقرر هي من يستطيع مغادرة غزة ومن لا يمكنه ذلك؟".
وقالت " مسلك" المهتمة بالدفاع عن حرية الحركة " يصعب جدا الادعاء بأن اعتماد 80% على الأقل من السكان على مساعدات منظمات الإغاثة، ووجود اقتصاد مشلول، و90-95% من المياه الجوفية غير آمنة للشرب، وحركة مُقيدة إلى أدنى حد ممكن... لا تُشكل على أقل تقدير أزمة كرامة إنسانية ".
ويقول مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية الفلسطينية تيسير الطباع : " الحصار يحظر معظم الصادرات ويقيد إدخال السلع الأساسية، بما فيها المواد الغذائية والوقود أما المواد الغذائية المتوفرة فإن معظمها يأتي من وكالات الإغاثة، أو يتم تهريبها عبر الأنفاق بين مصر وغزة، ثم بيعها بأسعار باهظة إلى سكان غزة ".
وأضاف الطباع " أدى حصار إسرائيل الخانق على غزة إلى انهيار اقتصادي واضح في المنطقة، وانخفاض الدخل الحقيقي للفرد إلى أكثر من 50% عن ما كان عليه قبل الحصار، كما أدى إلى انهيار متواصل في البنية الاقتصادية ، سواء بالنسبة للموارد المادية الضعيفة تاريخيا، أو بالنسبة للمنشآت الصناعية التي توقف أكثر من 90% منها عن العمل".
لكن الحال بالنسبة لقطاع الزراعة الذي توقف عن التصدير بصورة شبه كلية لم يكن أفضل حالا ، إلى جانب التدهور المريع في قطاع الإنشاءات والتجارة والخدمات في سياق التراجع الحاد للواردات والصادرات بصورة غير مسبوقة.
حتى السيولة النقدية باتت مصدرا للتضييق على المواطنين الذين يعانون من عدم توفرها منذ عدة سنوات مما ضاعف معاناتهم و زاد خسائرهم خاصة أن البنوك و المصارف في غزة لا تصرف للمتعاملين عند استلام حوالاتهم أو رواتبهم أو المساعدات التي تصلهم سوى عملة " الشيكل "الإسرائيلية بينما عملات الدولار والدينار الأردني فلا يستلمها المواطنون إلا نادرا.
ولا يستفيد من العملات الأجنبية سوى القائمين على تجارة الأنفاق الحدودية مع مصر حيث يشترون بها البضائع من مصر.
وعزا جمال صالح رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس التشريعي أزمة السيولة النقدية في القطاع إلى الحصار الإسرائيلي وما وصفه بـ " تواطؤ السلطة في رام الله ودول عربية " لإخضاع حركة "حماس".
بانتظار الترجمة الميدانية ..!
ولأول مرة منذ عدة أعوام خلت يتصدر موضوع حصار غزة أحاديث وسائل الإعلام العالمية و المباحثات السياسية العربية أو الدولية والإقليمية بعد أن يئس المجتمع الدولي من ممارسات إسرائيل العدوانية رغم أنه " لن يجرؤ بعد على اتخاذ خطوات عملية ضد إسرائيل " حسب صحيفة " الإندبندنت " البريطانية.
وكان الكاتب المتخصص بشؤون الشرق الأوسط " روبرت فيسك " وصف قادة الغرب بـ"الجبناء" في مقال نشره بالصحيفة المذكورة بعنوان " قادة الغرب أجبن من أن يساعدوا على إنقاذ الأرواح".
وقال فيسك "إن إسرائيل لم تأبه عندما طردت بريطانيا واستراليا دبلوماسييها على خلفية تزوير جوازات السفر الأوروبية المستخدمة في اغتيال محمود المبحوح أحد قياديي حركة حماس في دبي، بل ولم تأبه عندما أحرجت " جو بايدن " بإعلانها بناء وحدات سكنية جديدة في إحدى مستعمراتها بالقدس الشرقية فلماذا تأبه الآن؟!".
وأمام الحقائق الميدانية التي تكشف زيف الادعاءات الإسرائيلية بنيتها تخفيف الحصار عن غزة يبدى الفلسطينيون تخوفا إزاء ما أسموه " الحصار الذكي " حسب د. إياد السراج مؤسس الحملة الفلسطينية الدولية لفك الحصار عن غزة الذي أكد رفض المؤسسات الفلسطينية لأية مبادرات دولية لفك الحصار تندرج تحت هذا الشعار بما يضمن تحقيق إسرائيل أهدافها من الحصار مع عدم رفعه بشكل كامل.
وقال د.السراج : " آن الأوان لرفع الحصار بصورة كاملة ونهائية وعبر كافة المعابر عن قطاع غزة".
هذه التحذيرات توافقت مع نداءات أطلقتها الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة ومقرها بروكسيل معربة عن بالغ قلقها إزاء بعض الدعوات الصادرة من قبل مسئولين في الدول الأوروبية، والتي يُفهم منها أنها تهدف إلى " الالتفاف على الحصار المفروض على قطاع غزة للسنة الرابعة على التوالي وشرعنته، بدلاً من إنهاء هذه المعاناة الإنسانية المتواصلة".
وقال مازن كحيل، عضو الحملة في تصريح له: " في الوقت الذي نرحّب فيه بالجهد الدولي لإنهاء الحصار؛ إلا أن تصريحات مبعوث اللجنة الرباعية في الشرق الأوسط توني بلير بأنه يبحث مقترحات مع المسئولين الإسرائيليين إدخال البضائع لغزة مع الحفاظ على أمن إسرائيل، تبعث برسائل سلبية عن أن الحديث عن رفع الحصار مرهون برضى الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي يعني بقاء هذا الحصار بأشكال أخرى".
ونبّه كحيل من أن فكرة "تخفيف الحصار"، وعدم رفعه كلياً، يراد بها وقف حملات التضامن الأوروبية والدولية مع الشعب الفلسطيني، وإقناع الرأي العام الدولي بأنه ما دام باب وصول البضائع والاحتياجات المعيشية قد فُتح، فلا داعي لحملات التضامن الدولية مع المحاصرين، الأمر الذي يشكّل التفافاً غير مقبول على الحصار وشرعنة له، وخدعة للرأي العام العالمي.
رفع الحصار عن غزة لا يعني إيصال الطعام والشراب فقط إلى المحتاجين بل توفير حرية التنقل للفلسطينيين المحاصرين من وإلى قطاع غزة دون أي تدخل خارجي وحرية الصيد في بحرهم .
غزة التي أصبحت على موعد يومي مع قوافل المتضامنين بانتظار موعدها الأهم وهو أن يرفع الحصار عن أطفالها ونسائها و مرضاها و شيوخها ومصانعها و أراضيها و بحرها و برها و جوها..
رب حكمة تقول " لا تأخذ الصغائر على الخصم الظالم، وإلا سيتقيها بل دعه يتورط في الكبائر حتى يسهل تطويقه "....فبعد أن تورطت إسرائيل في الصغائر و الكبائر وارتكبت كل ما لا يتوقعه البشر هل ستشكل الوعود و التصريحات النارية و الوقفات التضامنية و التحركات السياسية العربية و الدولية لوبيا ضاغطا على إسرائيل لإجبارها على رفع الحصار أم ستكون مجرد "زوبعة في فنجان "؟!

تعليقات