غزة – محسن الإفرنجي:
لم تكن المرة الأولى التي يعيش فيها الشاب محمود وجها لوجه مع زنزانته الصغيرة بل تكررت مرة و اثنتين و ثلاثة حتى الخامسة و "الحبل على الجرار" حتى لم يعد للزمن قيمة لديه بعد أن سلبوا حريته دون توجيه أي تهمة تذكر بعد اعتقاله عند أحد الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية.
دخل محمود غرفة يتوسطها قاضى متجهم الوجه مقطب الجبين وبجواره بعض الجنود ونفس الملف أمام القاضي وإذا به يقول "تقرر تمديد اعتقالك لستة شهور جديدة " لدينا ملف يؤكد انك تشكل خطرا على الدولة" ، فبادر محمود بالسؤال والدهشة تغطي معالم وجهه الشاحب عن فحوى الملف؟ رد القاضي : سرى لا يسمح لأحد بالاطلاع عليه" ، وعاد محمود إلى زنزانته مرة ثانية ويبدو أنها ستتكرر معه مرات ومرات.
"الملف السري" هو التهمة الجاهزة " الملفقة " التي توجهها قوات الاحتلال إلى الفلسطينيين ليتم بموجبها اعتقالهم إداريا لمدد مفتوحة دون أدنى حق في إجراءات قانونية أو توكيل محامي أو غير ذلك.
ويقول رياض خالد الأشقر مدير الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى والمحررين " الاعتقال الإداري هو اعتقال سلطات الاحتلال للفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة لفترة غير محددة بأمر من الحاكم العسكري بحجة تشكيل خطر حالي أو مستقبلي على امن الجمهور و المنطقة، تبعا للتوتر السياسي في الساحة الفلسطينية بشكل مناف لما جاء في الاتفاقيات والمواثيق الدولية".
وأوضح الأشقر أن الاعتقال يتم دون تهمة محددة أو محاكمة أو حتى الإفصاح عن أسباب الاعتقال, إنما يتم وفقا لإصدار أمر عسكري من قبل القائد العسكري للمنطقة .
التهمة "بدون تهمة"..!
و تقول المحامية سحر فرنسيس مديرة مؤسسة الضمير، التي تتولى قضايا الاعتقال الإداري: "لا يمكنني كمحامية الدفاع عن موكلي حيث أن تهمته سرية و المحكمة تجري دون السماح لي كمحامية للاستماع للشهود أو سماع الأدلة الداعية لاعتقاله".
وتضيف "القانون يحتم تحويل كل المعتقلين الإداريين لإجراءات القضاء الطبيعية, وفي حالة نقص الأدلة الكافية الموجهة ضده يجب أن يطلق سراحه فورا".
و لا يزال يقبع في سجون الاحتلال ما يقارب من 300 معتقلا إداريا من بينهم ثلاث نساء ,وطفل واحد دون سن الثامنة عشر، يحتجزون في سجن عوفر, والنقب, ومجدو, و ريمون بينما تحتجز الأسيرات الإداريات في سجن تلموند و الدامون .
وكانت قوات الاحتلال أصدرت منذ بدء انتفاضة الأقصى أكثر من عشرين ألف قرار بالاعتقال الإداري بحق مواطنين فلسطينيين ، ما بين اعتقال جديد أو تجديد فترة اعتقالية إدارية، طالت كافة الشرائح والفئات بما فيهم نواب في المجلس التشريعي، ووزراء ، وأعضاء مجالس بلدية ونقابية ،وطلاب جامعات ، ومحاضرين ، وحتى العاملين في مؤسسات حقوق الإنسان ، والمدافعين عن تطبيق المواثيق الدولية .
أمضى محمود فترة اعتقاله كاملة بما فيها من معاناة وألم وتضييق وحرمان من كل مقومات الحياة ، وبات ليلته الأخيرة وهو يرسم صورة للقاء أهله على الحاجز واحتضان أطفاله الثلاثة " آه كم اشتاق إليهم .. وبات يحلم بلقاء الأهل والأصحاب والجيران والأقارب الذين سيحضرون لتهنئته بسلامه العودة .. لم ينم في
ليلته " لكنه عاد حزينا و تمنى أن ينام حتى تنتهي مدة اعتقاله مغمضا عينيه بقوة خوفا من تجديد اعتقاله مرة سادسة.
" السرية" المفضوحة..!
ويؤكد الأشقر أن الاعتقال الإداري " شبح مرعب للأسرى كونه لا يستثني أحدا وبدون تهمة و من بينهم الأسيرات" فقد خاضت الكثير منهن هذه التجربة ، ومدد لهن الاحتلال الاعتقال لأكثر من مرة ، من بينهن الأسيرة المحررة عطاف عليان التي أمضت أكثر من عامين في الاعتقال الادارى ، وهى تحتضن ابنتها "عائشة" ذات العام والنصف .
و حكاية الأسيرة المحررة نورا الهشلمون من الخليل لا تختلف كثيراً عن حكاية الأسيرة المحررة عليان حيث مدد لها الاحتلال الاعتقال الادارى ثمانية مرات متتالية،رغم معاناتها من مرض الكلى، مما دفعها للإضراب عن الطعام مرتين إحداها لمدة 27 يوماً ،والآخر لمدة 24 يوما ، رغم وعد مدير السجن لها بإطلاق سراحها بعد الإضراب الأول إلا أن الاحتلال يخلف بوعوده دائماً .
و"نورا" لها ستة من الأبناء كانوا ينتظرونها كل يوم تنهي معه مدة الاعتقال الادارى ، ولكن انتظارهم بلا فائدة حيث يجدد لها الاعتقال مرة أخرى ، إلى أن أطلق سراحها بعد 28 شهراً من الاعتقال الادارى .
عبد الناصر فروانة مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين أوضح أن القانون الدولي الإنساني أجاز اللجوء للاعتقال الإداري لأسباب أمنية قهرية وبشكل استثنائي وفردي ، محذراً من استخدامه سلباً وبشكل جماعي لأن ذلك ربما يصل إلى مستوى "العقاب الجماعي " .
ودعا فروانة المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى والجهات المختصة إلى التحرك الجدي والمكثف لوقف هذه السياسة التعسفية ، و مساندة المعتقلين الإداريين والسعي إلى إطلاق سراحهم جميعاً وإغلاق "هذا الملف المؤلم" بل وضمان تعويضهم حيث أن كافة المواثيق الدولية كفلت لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني الحق في الحصول على تعويض .
لكن التعويض الحقيقي للمعتقلين الإداريين الفلسطينيين هو الإفراج و الحرية ...فهل ستتحقق لهم؟
لم تكن المرة الأولى التي يعيش فيها الشاب محمود وجها لوجه مع زنزانته الصغيرة بل تكررت مرة و اثنتين و ثلاثة حتى الخامسة و "الحبل على الجرار" حتى لم يعد للزمن قيمة لديه بعد أن سلبوا حريته دون توجيه أي تهمة تذكر بعد اعتقاله عند أحد الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية.
دخل محمود غرفة يتوسطها قاضى متجهم الوجه مقطب الجبين وبجواره بعض الجنود ونفس الملف أمام القاضي وإذا به يقول "تقرر تمديد اعتقالك لستة شهور جديدة " لدينا ملف يؤكد انك تشكل خطرا على الدولة" ، فبادر محمود بالسؤال والدهشة تغطي معالم وجهه الشاحب عن فحوى الملف؟ رد القاضي : سرى لا يسمح لأحد بالاطلاع عليه" ، وعاد محمود إلى زنزانته مرة ثانية ويبدو أنها ستتكرر معه مرات ومرات.
"الملف السري" هو التهمة الجاهزة " الملفقة " التي توجهها قوات الاحتلال إلى الفلسطينيين ليتم بموجبها اعتقالهم إداريا لمدد مفتوحة دون أدنى حق في إجراءات قانونية أو توكيل محامي أو غير ذلك.
ويقول رياض خالد الأشقر مدير الدائرة الإعلامية بوزارة الأسرى والمحررين " الاعتقال الإداري هو اعتقال سلطات الاحتلال للفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة لفترة غير محددة بأمر من الحاكم العسكري بحجة تشكيل خطر حالي أو مستقبلي على امن الجمهور و المنطقة، تبعا للتوتر السياسي في الساحة الفلسطينية بشكل مناف لما جاء في الاتفاقيات والمواثيق الدولية".
وأوضح الأشقر أن الاعتقال يتم دون تهمة محددة أو محاكمة أو حتى الإفصاح عن أسباب الاعتقال, إنما يتم وفقا لإصدار أمر عسكري من قبل القائد العسكري للمنطقة .
التهمة "بدون تهمة"..!
و تقول المحامية سحر فرنسيس مديرة مؤسسة الضمير، التي تتولى قضايا الاعتقال الإداري: "لا يمكنني كمحامية الدفاع عن موكلي حيث أن تهمته سرية و المحكمة تجري دون السماح لي كمحامية للاستماع للشهود أو سماع الأدلة الداعية لاعتقاله".
وتضيف "القانون يحتم تحويل كل المعتقلين الإداريين لإجراءات القضاء الطبيعية, وفي حالة نقص الأدلة الكافية الموجهة ضده يجب أن يطلق سراحه فورا".
و لا يزال يقبع في سجون الاحتلال ما يقارب من 300 معتقلا إداريا من بينهم ثلاث نساء ,وطفل واحد دون سن الثامنة عشر، يحتجزون في سجن عوفر, والنقب, ومجدو, و ريمون بينما تحتجز الأسيرات الإداريات في سجن تلموند و الدامون .
وكانت قوات الاحتلال أصدرت منذ بدء انتفاضة الأقصى أكثر من عشرين ألف قرار بالاعتقال الإداري بحق مواطنين فلسطينيين ، ما بين اعتقال جديد أو تجديد فترة اعتقالية إدارية، طالت كافة الشرائح والفئات بما فيهم نواب في المجلس التشريعي، ووزراء ، وأعضاء مجالس بلدية ونقابية ،وطلاب جامعات ، ومحاضرين ، وحتى العاملين في مؤسسات حقوق الإنسان ، والمدافعين عن تطبيق المواثيق الدولية .
أمضى محمود فترة اعتقاله كاملة بما فيها من معاناة وألم وتضييق وحرمان من كل مقومات الحياة ، وبات ليلته الأخيرة وهو يرسم صورة للقاء أهله على الحاجز واحتضان أطفاله الثلاثة " آه كم اشتاق إليهم .. وبات يحلم بلقاء الأهل والأصحاب والجيران والأقارب الذين سيحضرون لتهنئته بسلامه العودة .. لم ينم في
ليلته " لكنه عاد حزينا و تمنى أن ينام حتى تنتهي مدة اعتقاله مغمضا عينيه بقوة خوفا من تجديد اعتقاله مرة سادسة.
" السرية" المفضوحة..!
ويؤكد الأشقر أن الاعتقال الإداري " شبح مرعب للأسرى كونه لا يستثني أحدا وبدون تهمة و من بينهم الأسيرات" فقد خاضت الكثير منهن هذه التجربة ، ومدد لهن الاحتلال الاعتقال لأكثر من مرة ، من بينهن الأسيرة المحررة عطاف عليان التي أمضت أكثر من عامين في الاعتقال الادارى ، وهى تحتضن ابنتها "عائشة" ذات العام والنصف .
و حكاية الأسيرة المحررة نورا الهشلمون من الخليل لا تختلف كثيراً عن حكاية الأسيرة المحررة عليان حيث مدد لها الاحتلال الاعتقال الادارى ثمانية مرات متتالية،رغم معاناتها من مرض الكلى، مما دفعها للإضراب عن الطعام مرتين إحداها لمدة 27 يوماً ،والآخر لمدة 24 يوما ، رغم وعد مدير السجن لها بإطلاق سراحها بعد الإضراب الأول إلا أن الاحتلال يخلف بوعوده دائماً .
و"نورا" لها ستة من الأبناء كانوا ينتظرونها كل يوم تنهي معه مدة الاعتقال الادارى ، ولكن انتظارهم بلا فائدة حيث يجدد لها الاعتقال مرة أخرى ، إلى أن أطلق سراحها بعد 28 شهراً من الاعتقال الادارى .
عبد الناصر فروانة مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين أوضح أن القانون الدولي الإنساني أجاز اللجوء للاعتقال الإداري لأسباب أمنية قهرية وبشكل استثنائي وفردي ، محذراً من استخدامه سلباً وبشكل جماعي لأن ذلك ربما يصل إلى مستوى "العقاب الجماعي " .
ودعا فروانة المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى والجهات المختصة إلى التحرك الجدي والمكثف لوقف هذه السياسة التعسفية ، و مساندة المعتقلين الإداريين والسعي إلى إطلاق سراحهم جميعاً وإغلاق "هذا الملف المؤلم" بل وضمان تعويضهم حيث أن كافة المواثيق الدولية كفلت لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني الحق في الحصول على تعويض .
لكن التعويض الحقيقي للمعتقلين الإداريين الفلسطينيين هو الإفراج و الحرية ...فهل ستتحقق لهم؟
تعليقات
إرسال تعليق