غزة – محسن الإفرنجي:
"في مخبأ ما تحت الأرض مكون من عدة طوابق، ومحاط بسرية فائقة..تحتفظ حركة "حماس" منذ اكثر من ثلاثة أعوام بالكنز الإستراتيجي لديها الذي واجه معاناة كبيرة أهمها إصابته بيده، وعلاجه بطريقة سرية ومتكتمة ورفضه في بداية أسره تناول الطعام، مما اضطر آسريه لإجباره على تناول الماء المملح، وإصابته بعدة أزمات نفسية اقتضت منحه أقراصا مهدئة ".
هذه المقدمة كانت لكتاب "الأسير... نظرة من غزة" الذي ألفه الصحفي سليمان الشافعي وأصدرته "يديعوت أحرونوت" وترجمه للعربية عدنان أبو عامر عبر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
"ذات صباح في سنة 2006، حلّ انقلاب في حياة جندي من سلاح المشاة الإسرائيلي، لم يتجاوز عمره الحادية وعشرين عاماً؛ إذ وقع في أسر خلية عسكرية من حركة حماس، مكثت تتدرب على عملية أسره عدة أشهر، ونجحت في التسلل إلى موقع عسكري في معبر كرم أبو سالم، على الحدود مع قطاع غزة، وبعد إدارة اشتباك عسكري مسلح، وإطلاق نار كثيف، نجح اثنان من أفراد الخلية في اقتياد "جلعاد شاليط" وتكبيله، وسحبه إلى داخل قطاع غزة".
بداية الحكاية كما يرويها الصحفي الشافعي في كتابه الأول من نوعه في "إسرائيل" الذي يتناول قضية الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس "جلعاد شاليط" بعد مرور ما يزيد عن ألف يوم على أسره في قطاع غزة.
ولعل ما فاجأ الإسرائيليين في أمر الكتاب، أنه فور صدوره قررت إدارة القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي التي يعمل الصحفي الشافعي معها فصله من عمله، لأنه لم يستأذن القناة في نشره، فيما تتهم أوساط أخرى أن قرار الفصل جاء بعد أن احتوى الكتاب معلومات تُنشر لأول مرة حول تفاصيل عملية أسر شاليط، وبعض الجوانب الشخصية والمعيشية، والظروف النفسية، والأوضاع الصحية، التي يتمتع بها شاليط في أسر حماس، "وهو ما قد يضرّ بالإجراءات الأمنية التي تسعى أجهزة الأمن الإسرائيلية للتكتم عليها" .
وتسعى سلطات الاحتلال بكل الطرق الممكنة الأمنية الاستخبارية والعسكرية للعثور على الجندي، مستخدمين الوسائل التقنية الإلكترونية الدقيقة، إلى جانب تشغيل عدد هائل من العملاء حتى وصل الأمر بها إلى أن تعلن عن منح جائزة تقدر بقيمة عشرة ملايين دولار لكل من يدل على مكان أسر الجندي دون جدوى.
حقائق و فضائح
ومن بين الحقائق التي يوردها الكتاب كشفه النقاب عن أن "إسرائيل" وضعت أهدافاً غير معلنة لحربها الأخيرة على غزة، من أهمها "محاولة التخلص من شاليط عبر التعرف على مكان احتجازه، وتفجيره بمن فيه"، مستنداً في ذلك إلى مصادر مطلعة لم يفصح عن هويتها، وهو ما أثار جدلاً صاخباً في إسرائيل، وصل إلى حد اتهام الحكومة الإسرائيلية بالتفريط في حياة جنودها، بل وقتلهم، بدلاً من محاولة تخليصهم ودفع الثمن لذلك، حتى لو كان باهظاً ومؤلماً.
ويقول مركز الزيتونة في ترجمته للكتاب "المطالع لصفحات الكتاب يشعر كما لو كان الشافعي داخل الغرفة التي يحتجز فيها شاليط، والتفاصيل الدقيقة الواردة فيه تُظهر أن آسري الجندي بأنفسهم هم من تحدثوا إليه، مع التأكيد على أن المؤلف ذاته يشير إلى أن حراس شاليط والقائمين على إخفائه يعيشون بمعزل عن العالم الخارجي، ومنقطعون عن كل ما يتصل بما هو خارج غرفة الاحتجاز".
"لا أريد الموت...!"
ومما ورد في الكتاب (صفحة )45: "في أول لحظات احتجازه، كان شاليط مصاباً في يده، وهناك خدوش في جلده،علاوةً على أن وضعه النفسي حينها كان في غاية السوء، وكل عدة ساعات كان يصاب بحالة هلع ورعب، واعتاد على الصراخ بأعلى صوته" أمي... أمي... دون إجابة".
و يضيف المؤلف (ص 77) : "بعيداًً عن أي تهديدات شخصية مارسها الآسرون عليه، فقد تملكه الخوف من الموت ، وأخذ وضعه يزداد خطورة يوماً بعد يوم، وأخذت حالته الهستيرية تتطور رويداً رويداً، لدرجة جعلت آسريه يشعرون فعلاً بالخوف على حالته النفسية من الوصول إلى مرحلة لا يرتجى منها الشفاء".
"في كل لحظة يفتح فيها باب غرفته الصغير، لإدخال الطعام والماء، كان ينفجر بالبكاء صارخاً بصورة هستيرية، ويرجو آسريه قائلاً: لا أريد الموت... لا أريد أن أموت" يقول الشافعي.
وكان المؤلف الشافعي تلقى شهادات إسرائيلية جادة بأن المعلومات التي أوردها في كتابه حول تفاصيل عملية الأسر كانت دقيقة وموثوقة، فيما أبدوا بعض التشكك حول ما أورده من تفاصيل تنشر لأول مرة عن ظروف احتجاز الجندي، وكأنهم يغمزون بقناة أن تكون حركة حماس قد زودته بهذه المعلومات رغبةً منها في التأثير على عائلته، لممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لإبرام الصفقة معها.
وبالتأكيد أبقى الشافعي على التكتم على مصادره التي زودته بهذه المعلومات، من بعض كوادر حماس في غزة ورفح والقاهرة وعدد من العواصم العربية.
ولاقى الكتاب الصادر عن أكبر دار نشر في "إسرائيل"، رواجاً منقطع النظير، و توجه محرر الكتاب إلى عائلة شاليط، لتسليمهم النسخة الأولى منه، بعد أخذ الموافقة منهم على نشره غير أن الغريب أن نخبة غير قليلة من الأوساط الثقافية والسياسية الإسرائيلية رأت في الكتاب " دعاية حمساوية ذكية"، كونه يأتي في إطار الحملة الإعلامية التي درجت حماس على شنها وترتيبها منذ اليوم الأول لأسر جلعاد، للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي ضد حكومته، وذهب آخرون إلى اتهام المؤلف بـ"الخيانة"، وتقديم خدمات لحركة حماس.
ليس هذا فحسب فقد اتهمت أوساط أخرى المؤلف بالاستناد في تأليف كتابه على معلومات وتسريبات مقرّبة وموثوقة من حركة حماس وآسري الجندي، ونجاحها بالتالي في الدخول إلى قلب النقاش الفكري والسياسي الحاصل في "إسرائيل" حول مصيره، والضغط على الحكومة للمضي قُدماً في إبرام الصفقة المأمولة، حتى لو كانت مقابل دفع ثمن باهظ ثقيل على نفوس الإسرائيليين.
وأكثر ما يؤرق الإسرائيليين أن الكتاب يقدم صورة مغايرة لظروف الأسر التي يعيشها شاليط بأيدي حماس، بعكس ما تروجه المؤسسة الإسرائيلية، السياسية والأمنية، عما يلاقيه من إهانة وإذلال، فهو يزود القارئ بمعلومات تنشر لأول مرة عن أوضاع وظروف جيدة بالقياس لما يواجهه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.
أهمية خاصة
ويكتسب الكتاب أهمية خاصة – حسب الزيتونة - من عدة أمور أهمها أن المؤلف الشافعي يعمل مراسلاً ميدانياً للقناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية منذ عدة سنوات، ويعد مراقبا دقيقا لمجريات الوضع في غزة كما أنه يصدر في وقت يشتد الحديث فيه عن صفقة التبادل المتوقعة بين "إسرائيل" وحركة حماس.
و يشير مؤلف الكتاب إلى أنه جمع إفادات وشهادات من عدد من قيادات حماس وكوادرها، ومن مصادر أجنبية أخرى، وهي أطراف راقبت عن كثب التفاصيل الدقيقة التي واكبت أسر الجندي منذ يوم اختطافه، وكانت لها بعض الصلات مع آسريه مما يزيد من أهمية الحقائق و الآراء التي يعرضها.
وكونه كذلك يكشف النقاب عن طبيعة عملية الأسر التي تمت، من النواحي الميدانية والتقنية، وما يدور من نقاشات داخل حماس حول الأسر، والصراع الحقيقي الذي أدارته حماس مع السلطة الفلسطينية، بما كان سيؤثر حتماً على مصير الجندي داخل غزة، والمفاوضات التي جرت منذ اللحظة الأولى من أجل إطلاق سراحه.
"في مخبأ ما تحت الأرض مكون من عدة طوابق، ومحاط بسرية فائقة..تحتفظ حركة "حماس" منذ اكثر من ثلاثة أعوام بالكنز الإستراتيجي لديها الذي واجه معاناة كبيرة أهمها إصابته بيده، وعلاجه بطريقة سرية ومتكتمة ورفضه في بداية أسره تناول الطعام، مما اضطر آسريه لإجباره على تناول الماء المملح، وإصابته بعدة أزمات نفسية اقتضت منحه أقراصا مهدئة ".
هذه المقدمة كانت لكتاب "الأسير... نظرة من غزة" الذي ألفه الصحفي سليمان الشافعي وأصدرته "يديعوت أحرونوت" وترجمه للعربية عدنان أبو عامر عبر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
"ذات صباح في سنة 2006، حلّ انقلاب في حياة جندي من سلاح المشاة الإسرائيلي، لم يتجاوز عمره الحادية وعشرين عاماً؛ إذ وقع في أسر خلية عسكرية من حركة حماس، مكثت تتدرب على عملية أسره عدة أشهر، ونجحت في التسلل إلى موقع عسكري في معبر كرم أبو سالم، على الحدود مع قطاع غزة، وبعد إدارة اشتباك عسكري مسلح، وإطلاق نار كثيف، نجح اثنان من أفراد الخلية في اقتياد "جلعاد شاليط" وتكبيله، وسحبه إلى داخل قطاع غزة".
بداية الحكاية كما يرويها الصحفي الشافعي في كتابه الأول من نوعه في "إسرائيل" الذي يتناول قضية الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس "جلعاد شاليط" بعد مرور ما يزيد عن ألف يوم على أسره في قطاع غزة.
ولعل ما فاجأ الإسرائيليين في أمر الكتاب، أنه فور صدوره قررت إدارة القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي التي يعمل الصحفي الشافعي معها فصله من عمله، لأنه لم يستأذن القناة في نشره، فيما تتهم أوساط أخرى أن قرار الفصل جاء بعد أن احتوى الكتاب معلومات تُنشر لأول مرة حول تفاصيل عملية أسر شاليط، وبعض الجوانب الشخصية والمعيشية، والظروف النفسية، والأوضاع الصحية، التي يتمتع بها شاليط في أسر حماس، "وهو ما قد يضرّ بالإجراءات الأمنية التي تسعى أجهزة الأمن الإسرائيلية للتكتم عليها" .
وتسعى سلطات الاحتلال بكل الطرق الممكنة الأمنية الاستخبارية والعسكرية للعثور على الجندي، مستخدمين الوسائل التقنية الإلكترونية الدقيقة، إلى جانب تشغيل عدد هائل من العملاء حتى وصل الأمر بها إلى أن تعلن عن منح جائزة تقدر بقيمة عشرة ملايين دولار لكل من يدل على مكان أسر الجندي دون جدوى.
حقائق و فضائح
ومن بين الحقائق التي يوردها الكتاب كشفه النقاب عن أن "إسرائيل" وضعت أهدافاً غير معلنة لحربها الأخيرة على غزة، من أهمها "محاولة التخلص من شاليط عبر التعرف على مكان احتجازه، وتفجيره بمن فيه"، مستنداً في ذلك إلى مصادر مطلعة لم يفصح عن هويتها، وهو ما أثار جدلاً صاخباً في إسرائيل، وصل إلى حد اتهام الحكومة الإسرائيلية بالتفريط في حياة جنودها، بل وقتلهم، بدلاً من محاولة تخليصهم ودفع الثمن لذلك، حتى لو كان باهظاً ومؤلماً.
ويقول مركز الزيتونة في ترجمته للكتاب "المطالع لصفحات الكتاب يشعر كما لو كان الشافعي داخل الغرفة التي يحتجز فيها شاليط، والتفاصيل الدقيقة الواردة فيه تُظهر أن آسري الجندي بأنفسهم هم من تحدثوا إليه، مع التأكيد على أن المؤلف ذاته يشير إلى أن حراس شاليط والقائمين على إخفائه يعيشون بمعزل عن العالم الخارجي، ومنقطعون عن كل ما يتصل بما هو خارج غرفة الاحتجاز".
"لا أريد الموت...!"
ومما ورد في الكتاب (صفحة )45: "في أول لحظات احتجازه، كان شاليط مصاباً في يده، وهناك خدوش في جلده،علاوةً على أن وضعه النفسي حينها كان في غاية السوء، وكل عدة ساعات كان يصاب بحالة هلع ورعب، واعتاد على الصراخ بأعلى صوته" أمي... أمي... دون إجابة".
و يضيف المؤلف (ص 77) : "بعيداًً عن أي تهديدات شخصية مارسها الآسرون عليه، فقد تملكه الخوف من الموت ، وأخذ وضعه يزداد خطورة يوماً بعد يوم، وأخذت حالته الهستيرية تتطور رويداً رويداً، لدرجة جعلت آسريه يشعرون فعلاً بالخوف على حالته النفسية من الوصول إلى مرحلة لا يرتجى منها الشفاء".
"في كل لحظة يفتح فيها باب غرفته الصغير، لإدخال الطعام والماء، كان ينفجر بالبكاء صارخاً بصورة هستيرية، ويرجو آسريه قائلاً: لا أريد الموت... لا أريد أن أموت" يقول الشافعي.
وكان المؤلف الشافعي تلقى شهادات إسرائيلية جادة بأن المعلومات التي أوردها في كتابه حول تفاصيل عملية الأسر كانت دقيقة وموثوقة، فيما أبدوا بعض التشكك حول ما أورده من تفاصيل تنشر لأول مرة عن ظروف احتجاز الجندي، وكأنهم يغمزون بقناة أن تكون حركة حماس قد زودته بهذه المعلومات رغبةً منها في التأثير على عائلته، لممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لإبرام الصفقة معها.
وبالتأكيد أبقى الشافعي على التكتم على مصادره التي زودته بهذه المعلومات، من بعض كوادر حماس في غزة ورفح والقاهرة وعدد من العواصم العربية.
ولاقى الكتاب الصادر عن أكبر دار نشر في "إسرائيل"، رواجاً منقطع النظير، و توجه محرر الكتاب إلى عائلة شاليط، لتسليمهم النسخة الأولى منه، بعد أخذ الموافقة منهم على نشره غير أن الغريب أن نخبة غير قليلة من الأوساط الثقافية والسياسية الإسرائيلية رأت في الكتاب " دعاية حمساوية ذكية"، كونه يأتي في إطار الحملة الإعلامية التي درجت حماس على شنها وترتيبها منذ اليوم الأول لأسر جلعاد، للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي ضد حكومته، وذهب آخرون إلى اتهام المؤلف بـ"الخيانة"، وتقديم خدمات لحركة حماس.
ليس هذا فحسب فقد اتهمت أوساط أخرى المؤلف بالاستناد في تأليف كتابه على معلومات وتسريبات مقرّبة وموثوقة من حركة حماس وآسري الجندي، ونجاحها بالتالي في الدخول إلى قلب النقاش الفكري والسياسي الحاصل في "إسرائيل" حول مصيره، والضغط على الحكومة للمضي قُدماً في إبرام الصفقة المأمولة، حتى لو كانت مقابل دفع ثمن باهظ ثقيل على نفوس الإسرائيليين.
وأكثر ما يؤرق الإسرائيليين أن الكتاب يقدم صورة مغايرة لظروف الأسر التي يعيشها شاليط بأيدي حماس، بعكس ما تروجه المؤسسة الإسرائيلية، السياسية والأمنية، عما يلاقيه من إهانة وإذلال، فهو يزود القارئ بمعلومات تنشر لأول مرة عن أوضاع وظروف جيدة بالقياس لما يواجهه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.
أهمية خاصة
ويكتسب الكتاب أهمية خاصة – حسب الزيتونة - من عدة أمور أهمها أن المؤلف الشافعي يعمل مراسلاً ميدانياً للقناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية منذ عدة سنوات، ويعد مراقبا دقيقا لمجريات الوضع في غزة كما أنه يصدر في وقت يشتد الحديث فيه عن صفقة التبادل المتوقعة بين "إسرائيل" وحركة حماس.
و يشير مؤلف الكتاب إلى أنه جمع إفادات وشهادات من عدد من قيادات حماس وكوادرها، ومن مصادر أجنبية أخرى، وهي أطراف راقبت عن كثب التفاصيل الدقيقة التي واكبت أسر الجندي منذ يوم اختطافه، وكانت لها بعض الصلات مع آسريه مما يزيد من أهمية الحقائق و الآراء التي يعرضها.
وكونه كذلك يكشف النقاب عن طبيعة عملية الأسر التي تمت، من النواحي الميدانية والتقنية، وما يدور من نقاشات داخل حماس حول الأسر، والصراع الحقيقي الذي أدارته حماس مع السلطة الفلسطينية، بما كان سيؤثر حتماً على مصير الجندي داخل غزة، والمفاوضات التي جرت منذ اللحظة الأولى من أجل إطلاق سراحه.
تعليقات
إرسال تعليق