غزة – محسن الإفرنجي:
بعد أن وثقوا الجرائم بعدساتهم بل بدمائهم و دموعهم و أشلائهم أبى العديد من الأطفال ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة ومن أعضاء نادي الصحفي الصغير إلا أن ينقلوا تجربتهم بحلوها ومرها من خلال إنتاجهم الجديد كتاب " سفراء صغار".
ويحكي الكتاب الذي قدم له غسان رضوان مدير النادي وكتبت معظم فصوله الطفلة إيمان أبو واكد الناطقة باسم الأطفال الناجين من الحرب قصة تجارب شخصية لأطفال ضحايا الحرب وأعضاء النادي الذين واجهوا ظروفا "قاسية ومؤلمة" خلال العدوان سواء على صعيد الإصابة أو فقدان الوالدين و الأخوة وغيرهم من أفراد العائلة و الأصدقاء।
بعد أن وثقوا الجرائم بعدساتهم بل بدمائهم و دموعهم و أشلائهم أبى العديد من الأطفال ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة ومن أعضاء نادي الصحفي الصغير إلا أن ينقلوا تجربتهم بحلوها ومرها من خلال إنتاجهم الجديد كتاب " سفراء صغار".
ويحكي الكتاب الذي قدم له غسان رضوان مدير النادي وكتبت معظم فصوله الطفلة إيمان أبو واكد الناطقة باسم الأطفال الناجين من الحرب قصة تجارب شخصية لأطفال ضحايا الحرب وأعضاء النادي الذين واجهوا ظروفا "قاسية ومؤلمة" خلال العدوان سواء على صعيد الإصابة أو فقدان الوالدين و الأخوة وغيرهم من أفراد العائلة و الأصدقاء।
ووجد السفراء الصغار الذين عايشوا أصعب لحظات حياة يمكن أن يتوقعها إنسان مما شكل لهم تحدياً وهم يوثقون ويصورون ويستمعون لقصص أطفال ضحايا الحرب في المستشفيات وفي البيوت والأماكن المقصوفة والمدمرة .
ولم يكتف الأطفال السفراء بسماع وتصوير وكتابة رواياتهم , بل انضم أطفال ضحايا الحرب طواعية للنادي الصحفي, وأصبحوا أعضاء فاعلين فيه يمارسون أنشطتهم الإعلامية والثقافية والفنية , فكان متنفسهم الأساسي وبيتهم الثاني.
إنهم يتحدون الموت..!
وقال مدير نادي الصحفي:"لقد راح أطفال في زهرة العمر ضحايا لهذا العدوان الغاشم , بعدما أعدم الاحتلال آباءهم وأمهاتهم وإخوانهم أمام أعينهم البريئة , وساق الاحتلال الكون والعالم الموت والدمار والخراب وهو ما ألقى بظلاله على نفسية الأطفال , الذين أصبحوا يعانون آثار الصدمات النفسية العنيفة , التي انعكست سلباً على نمط حياتهم اليومية وآمالهم وأحلامهم للمستقبل ".
وأوضح رضوان أن النادي ركز في عمله مؤخرا على برامج الدعم النفسي والاجتماعي , وإنتاج الأفلام الموجهة للأطفال وعمل المسرحيات الدرامية , وتنظيم البرامج الإذاعية والتلفزيونية والخروج أمام عشرات الفضائيات ووسائل الإعلام واستقبال الوفود الأجنبية والعربية,وهو "ما اجتذب أنظار المتضامنين العرب والأجانب والإعلاميين والعاملين في مجال حقوق الإنسان والمحامين الدوليين" .
وعن رحلة الكتاب أوضح أنه بعد الحرب مباشرة أصبح لدى النادي "ثروة من المواد الإعلامية الخاصة بقصص وروايات الأطفال" , علاوة على تجارب سابقة له في التغطيات الإعلامية الكبيرة , بدءاً بانتفاضة الأقصى المباركة عام 2000 ومروراً بالانتخابات الرئاسية والتشريعية, وتغطية الانسحاب الاسرائليي من غزة.
وبدأ طاقم العمل في النادي وجلهم من الأطفال يجمع القصص والمواد تصويراً وتسجيلاً وكتابة , في وقت جرى فيه عقد عدة ورش تدريبية حول الكتابة الإبداعية وكتابة القصص من الأطفال وللأطفال , ثم انطلق الأطفال يعبروا عن أنفسهم و معاناتهم وآلامهم بطريقتهم الخاصة, وليوثقوا عدواناً لم يشهده العالم من قبل , ولكن بقالب فني سردي رائع غير مبالغ فيه , "تجعلك تبكي وتتأثر من كتاباتهم الناضجة والتي تنبض بالحياة" وفق رضوان .
تجربة مروعة لكن "رائدة" !
ولكن ماذا تقول الطفلة أبو واكد الناطقة باسم الأطفال الناجين من الحرب عن قصتها مع التغطية الإعلامية والكتاب: " عندما أعلنت إسرائيل الحرب على غزة كنت متحمسة أنا وزميلاتي، في نادي الصحفي الصغير، لتغطية تلك الأحداث المروعة ونخوض الصعاب، كوننا صحفيات صغيرات ومن أعضاء النادي".
"لكن عندما طلبنا من مدير النادي معدات التصوير رفض ذلك معللاً بأنه خطر على حياتنا، وأن تلك الحرب أكبر منا جميعاً وتقاوم أي تحد، والشيء الذي لم يجعلنا نلح عليه كثيراً هو الخوف الذي كان يلازمنا طوال الوقت الذي كنا نعيشه".
وتكمل حديثها " لم ترأف الطائرات الحربية ببراءة طفولتنا فجعلتنا وقوداً لمحرقتها الوحشية، وكنا - نحن الأطفال – دوماً في بؤرة الاستهداف فكيف ستقودني الجرأة إلى خوض المغامرات تحت خط النار والوحوش الإسرائيلية لم تترك حجراً إلا ودمرته، ولا شجراً إلا واقتلعته، فما بالكم بالإنسان، وما بالكم بالصحفي الذي يفضح جرائمها؟ بالتأكيد سيكون له نصيب الأسد" هكذا كانت نظرتها إلى التغطية الإعلامية للعدوان.
ونجح الأطفال الصغار في تغطية العديد من المشاهد الخاصة بالعدوان كما تمكنوا من الالتقاء بضحايا العدوان الذين أخذوا ينقلون لهم صورة المشاهد المروعة و اللحظات العصيبة التي عاشوها..
" لقد كانوا يتنقلون كالفراشات غير آبهين بهدير الطائرات المحلقة في السماء معلنة عن قصف جديد أو غارة هنا و هجوم هناك فأمامهم هدف يصرون على تحقيه من خلال دور إعلامي فاعل في تغطية و توثيق جرائم الحرب على غزة خاصة ضد الأطفال" حسب مدير النادي.
وأضاف: "كنا على تواصل دائم خلال الحرب واستطاعوا أن يلتقطوا العديد من الصور و المشاهد الحية الدامية خلسة من الشبابيك أو من خلال زياراتهم للجرحى و للمستشفيات ضمن نطاق قدراتهم".
جرائم لم تعرفها البشرية..!
وامتدت تغطيات الأطفال من أعضاء النادي إلى متابعة و تغطية المؤتمرات الصحفية و الفعاليات الميدانية كما توجهوا إلى المدارس التي آوت آلاف المشردين و أجروا لقاءات معهم علاوة على توثيق قصص إصابات العديد من الأطفال.
وتعود الطفلة أبو واكد للحديث عن بعض مغامراتها: "قررت أن أتجول بنفسي في المستشفيات والبيوت لأساعد الجرحى من الأطفال وأزيد من عزيمتهم وقوة صمودهم فاقترحت الفكرة على رئيس النادي ليساندني في ذلك وليشاركني زملائي بالنادي...وبالفعل خرجنا سوياً في فترات الهدنة التي كانت تعلنها إسرائيل ولكن كان الخوف يلازمنا في طريقنا ؛ لأن الاحتلال ليس له عهد ولا دين، ويمكن بأي لحظة أن يقدم على إلغاء الهدنة واستمرار القصف بشكل عشوائي، وكانت بداية رحلتنا إلى مجمع الشفاء الطبي الذي ذاق الأمرين وشاهد ما لم تشاهده عين"..
وجوه مستبشرة تلمع أعينها ببريق فيه قوة وصمود دون أن تستمع إلى مآسيهم , تتعلم من نظراتهم وتحملهم القوة ,لا تشعر في حديثهم ببكاءٍ على حالهم، بل تتعلم منهم الصبر والشدة على كل شيء يمكن أن تمر به في حياتك من كربٍ وهمٍ وحزن.. الحديث هنا ليس عن عصافير الجنان وإنما عن أطفالٍ جرحى ومصابين تكدسوا داخل مستشفى الشفاء ما بين شهيدٍ وجريح , ينتظر دوره إما في الدفن أو العلاج، وكانت هذه جولة أعضاء نادي الصحفي الصغير الأولى داخل أروقة مجمع الشفاء الطبي, فالبعض من الحالات تعرفوا على حالته الصحية ووضعه من خلال سؤال الأطباء والبعض الآخر عبر معايشة قصته.
يحتفلون رغم مآسيهم
لكن المآسي والأوجاع التي لا زالوا يستذكرونها بمرارة لم تمنعهم من الاحتفال على طريقتهم الخاصة ففي
إحدى الأمسيات الفنية للترفيه عن الأطفال والترويح عن أنفسهم، تحول حفل ترفيهي ضم أكثر من مائة طفل إلى تجمعٍ للأطفال الناجين والمتضررين من الحرب، كانوا يبحثون خلاله واقعهم ويناقشون ويصرخون ويعترضون ويوافقون كأنه تجمعٍ لمسئولين أو وزراء، كيف لا وهم يدركون جيدا ما يجري حولهم من وقائع بل يتعاملون بنظرة تحليلية عميقة.
مجموعة الأطفال ( ألماظة و زينب ومنى السموني ) الذين فقدوا 29 فرداً من العائلة، و (جميلة الهباش ) التي فقدت ساقيها أثناء الحرب، و( لؤي صبح ) الذي فقد بصره، و( دلال أبو عيشة ) و( سماح بعلوشة ) اللتان فقدتا عدداً من أفراد عائلتيهما علاوة على سفيرتهم الأولى للسلام إلى العالم الطفلة أميرة القرم التي شهدت جريمة قتل والدها و شقيقيها أمام أعينها خلال العدوان ،جميعهم تحولوا إلى منابر إعلامية متحركة تعبر عن عمق المأساة التي ينقل بعضا منها فصول الكتاب.
من فصول المأساة
ويضم الكتاب أجزاء ثلاث الأول منها كتبته الناطقة باسم الأطفال الناجين من الحرب الطفلة إيمان أبوواكد (15 عاماً) , التي امتازت بموهبة و قدرات كبيرة في الكتابة والتحدث , وتعتبر من أكثر أعضاء النادي فاعلية .
وتسرد إيمان في هذا الجزء قصصها وتجربتها منذ بداية العدوان , وكذلك قصصاً لحديثها ومقابلاتها مع أطفال تعرضوا لنكبات وويلات, كما تسرد أحداث لقاءاتها واستقبالها للوفود الأجنبية الزائرة لقطاع غزة سواء قبل العدوان أو بعده .
فالمشاهد و القصص المأساوية تركت انطباعات لا تمحى من ذاكرة الطفلة أبو واكد كان من أكثرها تأثيرا، قصة الطفلة أميرة القرم أحد أعضاء النادي الصحفي التي بقيت تنزف في أجواء البرد القارص لثلاثة أيام متواصلة، وقصة الطفلة دلال أبو عيشة التي فقدت كل عائلتها ولم يبق لها سوى قطتها، وألماظة السموني التي فقدت أفراد أسرتها".
أما الجزء الثاني فيحتوي على كتابات الأطفال والضحايا الحقيقيين,الذين تعرضوا لويلاتها مثل : أميرة القرم ودلال أبوعيشة وألماظة ومني وزينب السموني وجميلة الهباش,وهبة نعيم,و سماح بعلوشة , حيث يسردن قصصهن كاملة بأقلامهن , لكن بقالب أدبي.
ويضم الجزء الثالث كتابات وروايات أعضاء ومشرفي نادي الصحفي الصغير, عن تجاربهم المختلفة أثناء العدوان وبعده .
"السفراء الصغار" أثبتوا بجدارة أن أصواتهم وحتى أنات أوجاعهم أقوى من صوت الطائرات و الدبابات و أزيز الرصاص بعد أن صمدوا وواجهوا بل قاوموا ورفضوا الموت إلا بكرامة..ولكن "سحقاً للقوانين إن لم تنصف الطفل الفلسطيني" وهي صرخة مدوية أطلقها الأطفال خلال فعالياتهم الإعلامية و مؤتمراتهم الصحفية...فهل فعلا يمكن أن تنصف تلك القوانين الطفل الفلسطيني وتأخذ بيده وتحاكم من اقترف ضده الجرائم؟!
تعليقات
إرسال تعليق