فداء ..لعنة المعابر طاردتها حتى الموت!!


غزة – محسن الإفرنجي:
ما أن غادرت معترك الحياة حتى صدر لها شهادتان الأولى وفاتها والثانية تصريحا إسرائيليا دام انتظاره عدة أشهر للعلاج في أحد المستشفيات..لكن يد القدر الحانية أراحتها من عناء الانتظار وذل الحواجز وابتزاز المرضى عند المعابر.
حكاية الشابة الواعدة المريضة فداء طلال حجي ( 19 عاماً ) تكشف عن جانبا من الجرائم الإسرائيلية الخفية التي ترتكب ضد المرضى في غزة وتعكس حقيقة الأوضاع المأساوية التي يتعرضون لها جراء سياسة "العقاب الجماعي الإسرائيلية "ضدهم وفق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
رحلة مرض قاسية عاشتها الشابة حجي منذ تشخيص حالتها المرضية في عام 2007 على أنها مصابة بسرطان الغدد اللمفاوية (داءُ هودجكن) إلى أن توفيت في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2009 وهي تنتظر مرة تلو الأخرى صدور تصريح لها لتلقي العلاج في أحد المستشفيات الإسرائيلية.
الصحة في خطر..!
ويواجه القطاع الصحي في قطاع غزة أوضاعا "كارثية" جراء استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض منذ أكثر من أعوام ثلاث الأمر الذي أثر بصورة سلبية على أوضاع المستشفيات وأدى إلى نقص حاد في الأدوية و المستلزمات الطبية الأساسية.
وقد انضم إلى قافلة شهداء الحصار مؤخرا الطفل ميسرة حسام إ موسى (3) أعوام من غزة وهو مصاب بتشوهات خلقية في القلب، و كان من المقرر أن يسافر لتلقّي العلاج في الخارج، لكن إغلاق المعابر حال دون ذلك، ليكون بذلك أول ضحايا العام الجديد، ويرتفع معه عدد شهداء الحصار إلى 368 شهيد وفق وزارة الصحة بغزة.
وقالت الوزارة في بيان لها :" في ظل نفاد الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاجهم والحفاظ على حياتهم، فضلا عن إغلاق المعابر وعدم السماح إلا لأعداد محدودة وبعد فترات انتظار طويلة لسفر المرضى عبر معبر رفح.. تصبح الحياة قاسية و مؤلمة للمرضى في غزة".
وذكرت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها عن الأوضاع الصحية في غزة أن العديد من العلاجات الطبية الخاصة مثل عمليات القلب الجراحية وعلاج بعض أنواع السرطان غير متوفرة في غزة مما يضطر المرضى إلى البحث عن توفر علاج لهم في مستشفيات خارج غزة.
لكن معظم طلبات تصاريح السفر للمرضى بهذا الخصوص قابلتها قوات الاحتلال "بالرفض أو التأخير مما أدى إلى تفويت جلسات العلاج وتدهور أوضاع الصحية ".
وكانت الشابة الراحلة فداء تتلقى العلاج في مستشفى الشفاء بغزة وتدهورت صحتها وتم إخبارها أنها بحاجة إلى عملية زراعة نخاع عظمي وهي غير متوفرة في غزة لذا تم تحويلها إلى العلاج في مستشفى "تل هشومير" في إسرائيل في العشرين من شهر آب/أغسطس من العام الماضي وتم تحديد تاريخ 23 أيلول/سبتمبر 2009 موعداً لإجراء عملية الزراعة لها بالمستشفي.
ويقول تقرير منظمة الصحة العالمية: "مكتب الاتصال في المنطقة تقدم بطلب من أجل فداء لاجتياز معبر إيرز في تاريخ موعد العملية لكن السلطات الإسرائيلية لم ترد على طلبها وبذلك فقدت موعد الحجز المعد لها في المستشفى".
بعدها حصلت فداء على موعد جديد تحدد في العشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2009 ليكون موعداً آخر وتم تقديم طلب آخر لاجتياز معبر إيرز لكنها لم تحصل على رد من السلطات الإسرائيلية حتى تدهورت ظروفها الصحية بشكل أكبر و تم تحديد 9 تشرين الثاني / نوفمبر 2009 موعداً آخر لها في مستشفى "شنايدر" في إسرائيل وتقدمت بطلب عاجل لعبور إيرز و لم يصلها أيضا أي رد.
وحسب المركز الفلسطيني فإن من أبرز مظاهر الحصار الإسرائيلي لغزة تمثلت في منع وصول معظم الإمدادات من الأغذية والأدوية وكافة الاحتياجات الضرورية للسكان ومنع وصولهم إلى المستشفيات الخارجية للعلاج.
مفارقات الموت..!
توفيت فداء في الحادي عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2009 ومن مفارقات وفاتها أن سلطات الاحتلال وافقت على طلبها بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر 2009, أي بعد مضي ثلاثة أيام على موعد جلسات العلاج بالمستشفي وبعد يوم واحد من وفاتها.
ووصف تقرير منظمة الصحة قطاع غزة بأنه عبارة عن "محطة حاضنة للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية طويلة الأمد مما زاد من انحسار النظام الصحي الضعيف".
وأضاف: "تقدم المرضى بــ1103 طلب للسلطات الإسرائيلية من أجل الحصول على تصريح لاجتياز معبر إيرز في شهر كانون أول / ديسمبر 2009. تم رفض أو تأخير 21 % من الطلبات ونتيجة لذلك فات على أولئك المرضى مواعيد جلسات العلاج في المستشفى وعليهم أن يبدأوا من جديد مراحل التحويلة الطبية".
العديد من المرضى تنتهي رحلة انتظارهم المأساوية بالموت قبل التمكن من التوجه إلى المستشفيات الخارجية للعلاج...فهل ستكتب الحياة لمن بعدهم من ضحايا الانتظار "القاتل"؟!

تعليقات