من حكايات العدوان على غزة


من حكايات الصمود في مواجهة العدوان ..


كانت الدقائق تسير مسرعة بسرعة طائرات الموت الحربية التي احتلت سماء غزة وأمطرتها بوابل من القذائف في وقت واحد وأمكنة مختلفة حتى سقط عشرات الشهداء منذ الدقيقة الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة يوم 27-12-2007. أتذكرها بكامل تفاصيلها كما كل المواطنين الذين اكتووا بنيرانها وتهجيرها وقصفها ورعبها...عدت من عملي في الجامعة بعد ساعة ونصف على بدء القصف وهرولت مسرعا لأبحث عن أولادي في المدارس القريبة منا..كانوا جميعا قد عادوا لتوهم بحمد الله وقد نجوا في المدرسة من قصف محقق بعد سقوط صاروخين بجوارهما... كانت أمي - رحمها الله - وزوجتي ينتظرونني بفارغ الصبر خاصة أن شبكات الاتصالات قد تعطل معظمها ولم نتمكن من أن يطمئن أحدنا الآخر. وفي طريق عودتي من الجامعة مشيا على الأقدام حيث بدا المشهد كأنه يوم حشر مصغر؛ توجهت إلى مستشفى القدس للأطلاع على الوضع هناك، وما أدراك ما الوضع من شهداء وجثث متفحمة وأشلاء محترقة وصراخ وعويل ولك أن تتصور باقي المشهد....! وجدت أحد الأصدقاء والجيران في حالة ذهول وتوتر شديدين، بادرته بالسؤال: ما بك يا ابو عبدالله؟ خير ان شاء الله؟ رد ووجهه الأبيض الناصع قد تحول الى أحمر قاني: ابنتي عادت من المدرسة قبل لحظات ومرت بجوار بهذا هذا البرج (ويشير الى برج الأسرى المكون من 13 طابقا) قبل أن يتحول الى رماد...ولا أعرف مصيرها !! 
وتحت كثافة النيران أجبرنا بعد عدة أيام على مغادرة منازلنا قسرا...وأتذكر اللحظات الأولى عندما عدت إلى حي تل الهوا حيث أسكن..كأنه ليست هي وكانت النيران لا تزال مشتعلة في مخازن الأدوية التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بعد أن استهدفتها الطائرات الحربية. إنها بداية جرائم الاحتلال الإسرائيلي في العصر الحديث..من العدوان الأول إلى الثاني إلى الثالث ونسأل الله ألا يكون هناك المزيد لكن هذا هو قدرنا ويجب ألا نتذكر هذه الأيام لنبكي على أطلالها، بل لنمضي في طريقنا نحو المقاومة والحياة..نحو البناء والتعمير والأهم نحو استعادة سر قوتنا وهي وحدتنا التي اصبحت كأنها حلم تبعثر ولا نستطيع حتى اللحظة أن نجمع أجزاءه المتناثرة. رحم الله الشهداء الأبرار وعافى الجرحى وعوض كل من فقد عزيزا أو شيئا من متع الحياة خيرا في الدنيا والآخرة.

تعليقات